الإصطخري
وهو "أبو إسحاق الإصطخري".وقد ولد الرحالةُ عالِمُ الأرضِ والجغرافيا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري (الذي يُعْرَفُ في بعض الأحيان باسم الكرخي) بمدينة إصطخر، وهي مدينة برسيبوليس القديمة في بلاد فارس .
وقد نهج "أبو إسحاق الإصطخري" منهجًا علميًّا يدل على قدرته الفائقة في تصوُّر شكل الأرض؛ فلم يتجاهل الناحية الفلكلورية أو الاقتصادية أو الإثنوغرافية!! (الإثنوغرافيا هو علم في وصف السلالات البشرية وعادات وأخلاق الشعوب).. والحق أن هذه الطريقة التي سار عليها "الإصطخري" هي ذات الطريقة التي ينتهجها العلماء المعاصرون في مثل هذا النوع من الدراسات؛ وهو ألا تقتصر الدراسات الجغرافية على الجوانب الطبيعية فقط، دون التفات إلى الأبعاد الاقتصادية والثقافية والسلالية وغيرها مما يخص البشر الذين يحيون في هذه البقعة من الأرض. كما يُحسَب للإصطخري ~ أنه ركَّز على المدلول الجغرافي والسياسي والإداري، وتجنب النظريات التقليدية التي تنُصُّ على تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، وأخذ كل إقليم بذاته كوحدة جغرافية مستقلة .
لقد فهم "الإصطخري" منهج علماء المسلمين في مجال علم الجغرافيا فهمًا جيدًا مُحكمًا، وطبَّقه في مؤلفاته بدقة واستنباط ذكي؛ وبهذا عَرَفَ أصول المنهج العلمي التجريبي القائم على القياس والاستقراء، والمستند إلى المشاهدة والتجربة والتمثيل .
أما عن مؤلَّفات "الإصطخري" فإنه لم يكن صاحب مؤلفات كثيرة، وكل ما وصلنا من أعماله كتابان، هما: (صور الأقاليم)، والثاني (المسالك والممالك) ولعل تأثُّر "الإصطخري" واضح بعالم الجغرافيا السابق عليه "ابن خرداذبة" الذي ألَّف كتابًا بنفس العنوان (المسالك والممالك).
كذلك اعتمد على كتاب "البلخي" (تقويم البلدان)؛ فماثل "الإصطخري" كتاب البلخي في مخططه، ولكن بتوسع ومراجعة وتصحيح لكثير مما جاء فيه، وهذان المؤلفان للإصطخري يعدان من المراجع الأمهات في علم الجغرافيا بالأخص .
وقد كان اعتماده الأكبر في تصنيف مؤلَّفَيْهِ السابقَيْن على رحلاته العديدة في طلب العلم في شتى الآفاق الإسلامية؛ فجاء وصف تلك البلدان بإطناب، إضافة إلى تزيينه كتابه الأول (صور الأقاليم) بالخرائط والأشكال التوضيحية وقد أولى "الإصطخري" عناية خاصة لموضوع المد والجزر؛ فله نظريات جزئية في هذا المضمار؛ مما يدل على طول باعه في علم الأنواء، والمعروف بين العلماء في الماضي أن علم الأنواء جزء لا يتجزأ من علم الجغرافيا .
ولا ننسى في حديثنا عن إنجازات "الإصطخري" أنه حاول بكل ما يملك أن يصحح الأخطاء الجغرافية التي وقع فيها علماء الجغرافيا السابقون له، واتخذ من الخرائط التي زخرت بها مؤلفاته وسيلة لشرح وإبراز الأفكار الجغرافية التصحيحية.. ومن أبرز تلك الخرائط (خريطة بحر قزوين) التي شهد المستشرقون بدقتها، كما ركز على طريقة المقارنة بين المدن فرحم الله عالمنا العظيم الإصطخري، ونسأل الله أن يهبنا أمثاله من العلماء الذين غيروا بجهودهم وعقولهم حركة التاريخ ومسيرة البشرية .