هي مجموعة من الافتراضات والأفكار بشأن السلوك الاجتماعي والأنظمة الاجتماعية. وكان لتطبيقها على الدراسات السياسية آثار واسعة النطاق، لا سيما منذ الثورة الفرنسية. وكثيراً ما يشار إلى هذه الافتراضات والأفكار في السياسة على أنها عقائد (doctrines). وهكذا يمكن تعريف العقيدة الايديولوجية بأنها مجموعة من الافتراضات العقائدية بشأن الأوضاع الماضية والراهنة المستقبلية في الأنظمة السياسية، بما في ذلك النظام الدولي والنظام العالمي. وينظر عادة إلى الايديولوجيات السياسية على أنها أنظمة فلسفية واضحة ومحددة جداً مثل الماركسية/ اللينينية. وهذا بالتأكيد رأي أضيق أفقاً مما ينبغي. ومن الواضح أن القومية هي ايديولوجية وفق ما ورد آنفاً، ومع ذلك فإنها كثيراً ما تكون أقل وضوحاً وتحديداً من الماركسية/ اللينينية؛ ومن المؤكد أنها أكثر تحديداً ونسبية بالنسبة لثقافة سياسية محددة. وتنضمن جميع الايديولوجيات مكوِّنات تحاول وصف وشرح كيف جاءت حالة معينة إلى الوجود. وأحياناً تحاول ايديولوجية سياسية ما تحديد ما يسميه محللو السياسة الخارجية أهدافاً للمستقبل . فبهذا المعنى تعد الايديولوجيات السياسية تنبؤية توجيهية. تؤدي الايديولوجيات عدداً من الوظائف:
1- الايديولوجيات مصدر للصراع في العلاقات الدولية. وجد روزكرانس (Rosecrance) (1963)، في دراسته لتسعة أنظمة أوروبية منذ 1740، وجد أن أربعة، بما فيها أحدث اثنين، تنطوي على عناصر صراع ايديولوجي. وتنطوي الصراعات الايديولوجية على حدّة شديدة بين الأطراف وعدم الاستعداد لقبول الحل الوسط وميلاً واضحاً إلى أن تكون كلِّية. ولقد كان للعديد من الصراعات الإقليمية بعد الحرب أبعاد ايديولوجية، هي عادة أبعاد قومية. والمثال على ذلك الصراع العربي – الإسرائيلي.
2- الايديولوجيات كمصدر للقوة في العلاقات الدولية. لقد كان التقليد الواقعي الذي يفصل بين القوة والايديولوجيات يميل إلى حجب إمكانية أن تكون الايديولوجية مصدراً لقوة مفترضة. وتساهم الايديولوجية فيما سمّاه شبيغل (Speigel) قوة حافزة. ومع أن مستوى عالياً من الاستقامة الايديولوجية ليس شرطاً لازماً أو كافياً لسياسة خارجية نشطة، فإنه يؤدي إلى سياسات خارجية تدخلية نشطة. كما أن الايديولوجية مصدر قدرة ضمن الدولة ويمكن لهذا البعد الداخلي أن يتعدى حدوده وينتقل إلى البيئة الخارجية. فتصبح الدول تمثل ايديولوجية معينة ضمن النظام الدولي كانعكاس لمعتقداتها وقيمها. فالزعامة الكريزمية (charismatic) تعتمد على قاعدة ايديولوجية. وهذا النوع من الزعماء يشتق قوة ونفوذاً كبيرين من النجاح الذي يضم من خلاله في شخصيته طموحات طبقات أو أناس معينين. من الأمثلة الكلاسيكية في القرن العشرين لينين وماو وغاندي ومانديلا. وتصبح الكريزما روتينية عندما تبقى مبادئ وممارسات الزعيم بعد حياته وتصبح جزءاً من تقليد ايديولوجي.
3- الايديولوجيات كتأثير على رسم السياسة. في هذا الاستعمال للايديولوجية يصبح المفهوم ذاتياً بدرجة أكبر. فتصبح الايديولوجية نوعاً من العدسة التي يرى صانعو السياسة من خلالها مختلف بيئاتهم ويتصرفون إزاءها من ذلك المنطلق. فعملية التوصل إلى تعريف للوضع سوف تقترن بتأثيرات ايديولوجية في عملية السياسة. وتكون هذه التأثيرات الايديولوجية معممة وليس محددة. غير أن الخلافات قد تظهر بين الأفراد والجماعات عند تحديد صلتها بمجال قضايا معينة. وكثيراً ما كانت تجري شروحات السياسة الخارجية الأمريكية من منطلق ايديولوجيات النزعة الانعزالية والتدخلية/ الدولية. ففي سياق المناقشة الراهنة فإن هذه تصبح "العدسات" التي يتم فيها تحديد أهداف السياسة، لا سيما في الأمد الطويل. يطرح أحياناً القرار الذي اتخذ بعد 1919 برفض مثالية ويلسون بوصفه عودة إلى سياسة المصلحة الذاتية. لكن المقاربة المثالية من شأنها أن تراه من منطلق اقتراح النزعة الانعزالية سبيلاً والتدخلية/ الدولية سبيلاً آخر. وهذه التأثيرات الايديولوجية هي من نتاج تأثيرات الاندماج بالمجتمع، بقدر ما هي موضة فكرية. إن الاندماج في المجتمع، في الطفولة وفي طور الرشد، مهم من ناحيتين. فالاندماج الظاهر في المجتمع، بما في ذلك التلقين (indoctrination)، يحدث في جميع الأنظمة الاجتماعية ويبدأ في الأسرة. أما الاندماج الكامن في المجتمع فإنه يحدث طيلة الحياة، من خلال وضع الأفراد في وسط معين. وقد مال علم الاجتماع السياسي إلى التركيز على المجتمعات التوتاليتارية (الشمولية) عند فحص دور الاندماج الاجتماعي في إيجاد العوامل الايديولوجية والمحافظة عليها. غير أن الأنظمة التوتاليتارية هي أكثر الحالات انفتاحاً وتطرفاً لما يسمى نزعة عامة.
4- الايديولوجيات كطرق للنظر إلى الموضوع. في هذا الصدد تحتل الأفضليات الفكرية مركز الصدارة. وهذه هي مقاربة ليتل وماكينلاي (Little and Makinlay) (1986) للايديولوجية. فهما يحددان ثلاثة أنواع نموذجية؛ الليبرالية والاشتراكية والواقعية. وفي معرض كتابة غيلبين (Gilpin) (1975) عن الاقتصاد السياسي، حدد الأنواع الثلاثة ذاتها وإن كانت المصطلحات التي استعملها مختلفة وأمثلته أضيق نطاقاً نوعاً ما. وفي فترة سابقة تحدث الكُتاب عن الواقعية والمثالية/ الطوباوية. وفي الفترة قريبة العهد أصبح منظور المجتمع العالمي شائعاً. وفي هذا الاستعمال من الممكن استبدال الايديولوجية بـ "المنظور" أو "العرف الفكري". إنها طريقة للنظر إلى السياسة محلياً وخارجياً، على حد سواء. بل إنها، من منظور المجتمع العالمي، طريقة لهدم هذا التفريق. فهي أكثر اهتماماً بالموضوع كما يدرس في الجامعة منها بالموضوع كما تتناوله وزارة الخارجية، غير أن النشاطين مترابطان.