هي النشاط الذي تقوم به الأطراف الفاعلة بالفعل وبرد الفعل وبالتفاعل. وقد سميت السياسة الخارجية بالنشاط الحدودي. ويفيد مصطلح "الحدود" (boundary) ضمنياً أن القائمين على صياغة السياسة يمتد نشاطهم ليشمل بيئتين: بيئة داخلية أو محلية وبيئة خارجية أو عالمية. لذا فإن صانعي السياسة ونظام السياسة يقفان عند التقاء هاتين النقطتين ويسعون للتوسط بين الأوساط المختلفة.
تشكل البيئة المحلية سياق الخلفية التي يتم استناداً إليها رسم السياسة. فالعوامل التي تشمل قاعدة موارد الدولة وموقعها الجغرافي بالنسبة للآخرين، وطبيعة ومستوى القيم تشكل الوسط المحلي أو الداخلي. والبيئة الدولية أو الخارجية هي حيث يتم التنفيذ الفعلي للسياسة. وينطوي تنفيذ السياسة على الفور على فاعلين آخرين وتكون ردود أفعالهم تغذية رجعية (feedback) لنظام صنع السياسة، بحيث يشكّل جزءاً من الصورة التي يتم استناداً إليها رسم سياسة المستقبل. ويشار إلى هذه المحاولة لإيجاد واقع يتم بالاستناد إليه رسم السياسة بأنه تحديد الموقف. فهو شرط لازم مسبق لفهم البيئة وبالتالي لاتخاذ القرارات المتعلقة برسم السياسة.
يقوم معظم صانعي القرارات بمقاربة البيئة الدولية من منظور إقليمي. فالسياسة الجغرافية تحدد النطاقات الحاصرة لهذه المقاربة الإقليمية. فالدول يتعين عليها الاستجابة لجيرانها من جميع جوانب السياسة وبالتالي فإن هذا البعد الإقليمي ذو أهمية حاسمة. فحتى أهم الدول في العلاقات الدولية المعاصرة لها مصالح إقليمية. وكثيراً ما يتم التعاون والتكامل على أساس إقليمي. كما أن العديد من الصراعات، بما في ذلك الصراعات المزمنة والدائمة، تعود في أصلها إلى السياسة الإقليمية وليس إلى السياسة العالمية. ويمثل الصراع العربي – الإسرائيلي مثالاً جيداً. فالتنفيذ الفعلي للسياسة يقوم على أساس الهيكل المؤسسي للدولة. فالمسائل التي تعد ذات أهمية حيوية للمصالح القومية يعالجها رئيس الحكومة ويعاونه كبار المستشارين. ويشار إلى مثل هذه المسائل بعبارة السياسة العليا وتتضمن مسائل السلام والأمن الفوريين فضلاً عن المسائل ذات الأهمية الحيوية لثروة الدولة والشعب ورفاهه. ومن جهة أخرى فإن السياسة الدنيا تتعلق بمسائل الدبلوماسية الروتينية. وثمة فئة وسط بين مسائل السياسة العليا والسياسة الدنيا، كثيراً ما تسمى السياسة القطاعية (Sectoral Politics) من قبل بعض الكُتاب المعنيين بالسياسة الخارجية وتشمل تلك المجالات التي ترى بعض الجماعات ذات المصلحة أنها تنطوي على مصالح حيوية لهم ولكن لا يمكن اعتبارها "قومية" دون أن تشوه المفاهيم. ومن الواضح أن هذه الفئات ليست ثابتة ومحددة حيث قد تتغير الأهمية النسبية لقضية ما من وقت لآخر. وقد حدث ذلك بالنسبة للمملكة المتحدة عام 1982 حين صعدت قضية الفوكلاند بسرعة من فئة السياسة الدنيا/ القطاعية إلى فئة السياسة العليا بعد مبادرة الأرجنتين في احتلال الجزر من طرف واحد.
قد تقتضي الحكمة التقليدية الافتراض بأن السياسة الخارجية ترسم على أساس حسابات عقلانية تتعلق بالمنفعة وغير المنفعة حيث يتصرف صانعو السياسة كنظام موحد. وثمة سبب وجيه للشك بأن هذا الرأي صحيح كلياً. ففي السنوات قريبة العهد سعت مقاربة السياسة البيروقراطية إلى التأكيد على أن المؤسسات التي ترسم السياسة الخارجية ليست موحدة. بل إن الأفراد الأساسيين يميلون إلى اتباع ما يعتبرونه هم المصلحة القومية وذلك على نقيض آخرين ضمن النظام. ونتيجة ذلك قد تمثل السياسة التي تنبثق حلاً وسطاً بين مختلف الآراء أو انتصاراً لمنظور إحدى المؤسسات على الأخرى. ومن المعقول المؤكد النظر إلى سباق التسلح من هذا المنظور. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الحاجة تدعو إلى تعديل نموذج الفعل- رد الفعل المقترح آنفاً وذلك ليؤخذ بالاعتبار السياق المؤسسي الذي يجري فيه رسم السياسة.إن تنفيذ قرارات السياسة يقتضي أن تستخدم الدول أدوات مثل القدرات العسكرية والاقتصادية. وقد اعتبرت أداة السياسة العسكرية تقليدياً بأنها الأكثر أهمية في المجالات التي تتعلق بالسياسة العليا. وفي الفترة قريبة العهد استرعت الأدوات الاقتصادية اهتماماً متزايداً. ويعود هذا جزئياً إلى زيادات الترابط وبسبب بعض المشاكل المحيطة باستخدام أو بالتهديد باستخدام القوة في السياسة المعاصرة. وفي التحليل الأخير، فمهما كانت دولة ما متميزة بقدرتها على العمل على تعزيز مصالحها، فقد تكون مهارة وتصميم دبلوماسييها وتسيير دبلوماسيتها حاسمة بالنسبة للنتيجة. ومن المفيد التفريق بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية، حيث إنهما يستخدمان في بعض الأحيان كمصطلحين مترادفين في النصوص التقليدية. فبينما تشير الدبلوماسية إلى الطريقة التي يتم بها تسيير العلاقات، فإن السياسة الخارجية تشير إلى الموضوع. وتظل هذه أفضل مصطلح يستخدم ليشمل علاقات دولة ما مع العالم الخارجي