لقد صدر ظهير شريف رقم
345 – 00 في 29 رمضان 1421 الموافق لـ 26 دجنبر 2000 بتنفيذ القانون رقم
85 – 00 الرامي إلى تعديل الفصول 59و60و61و62و63و64و65و66 من قانون
المسطرة المدنية، وهو ما يطرح مجموعة من التساؤلات يمكن إجمالها في الآتي
: ماهي خلفيات ودواعي التعديل ؟ ومدى انعكاسه على المستوى العملي ؟ أين
يكمن الخلل ؟ هل في عدم تفعيل النصوص القانونية المرتبطة بالخبرة أم أن
الإطار البشري المكلف بإجراء الخبرة عاجز عن الوفاء بما هو مطلوب منه ؟
وإلى أي حد يساهم في تكريس ما يصطلح عليه بأزمة الخبرة في ظل القانون
المغربي ؟ كيف تعامل الاجتهاد القضائي مع هذه المقتضيات القانونية الجديدة
في هذا المجال؟ وهل يعد هذا كافيا لرد الثقة في إجراء الخبرة واعتبارها
إحدى الركائز الأساسية لتقنيات التحقيق القضائي وتفعيل مقتضياته بما
يستجيب والغاية المنشودة من وراء سنه ؟ وما هي أهم السمات المميزة للخبرة
في المادة الجنائية ؟
كلها أسئلة سنحاول الإحاطة بها –قدر الإمكان- من خلال هذه المناولة وفق الإجراءات المنهجية التالية :
المبحث الأول : الخبرة القضائية في المادة المدنية وفقا لنصوص قانون المسطرة المدنية .
المطلب الأول : القواعد المؤطرة لتعيين الخبراء .
المطلب الثاني : مناقشة تقرير الخبرة ومدى حجيته؟
المبحث الثاني : الخبرة القضائية في المادة الجنائية وفقا لنصوص قانون المسطرة الجنائية .
المطلب الأول : الجهات المختصة للأمر بإجراء الخبرة .
المطلب الثاني : النظام القانوني للخبرة في المادة الجنائية.
المبحث الأول : الخبرة القضائية في المادة المدنية وفقا لنصوص قانون المسطرة المدنية .
بخلاف الخبرة الاتفاقية التي تتم باتفاق يبرم بين أطرافها والخاضعة
للقواعد العامة التي تحكم نظام التعاقد أو الخبرة التي يلجأ إليها الشخص
من تلقاء نفسه لينتفع بها في نزاع قد ينشأ في المستقبل القريب أو البعيد .
وتنقسم الخبرة القضائية إلى خمسة أصناف :
-1- الخبرة : تأمر بها المحكمة تلقائيا أو بناء على طلب أحد الخصوم أو
كلاهما، وعلى المحكمة أن تبين دواعي إجراء الخبرة، وفي حالة رفض الطلب
بإجرائها وجب عليها تعليل ذلك، والأصل في الخبرة أن المحكمة غير ملزمة
بإجابة طلب تعيين الخبير . وأن الأمر متروك لسلطتها التقديرية، وفي هذا
الاتجاه جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 07 مــارس 1995 :"يجب
على المحكمة أن تبني حكمها على اليقين فإذا طلب أحد ألأطراف إجراء تحقيق
للتأكد من واقعة ما وكان هذا الإجراء ضروريا للكشف عن الحقيقة، فيجب عليها
الرد بشأنه إما بقبوله أو برفضه ." وقد تعهد هذه المهمة لخبير واحد أو عدة
خبراء وذلك حسب أهمية وطبيعة موضوع الخبرة، حيث نصت المادة 66 من قانون
المسطرة المدنية على أنه "إذا اعتبر القاضي أن الخبرة يجب ألا تقع عن خبير
واحد فإنه يعين ثلاثة أو أكثر حسب ظروف القضية".
-2- الخبرة الثانية : وهي الخبرة التي تهم نفس القضية ولكن بخصوص نقط
تختلف تماما عن تلك التي تتناولها الخبرة الأولى ويتم إسناده لنفس الخبير
الذي أنجز الخبرة الأولى أو لغيره.
-3- الخبرة المضادة :يطلبها الخصوم أو تأمر بها المحكمة من تلقاء نفسها
ويكون موضوعها مراقبة صحة المعطيات وسلامة وصدق ما خلصت إليه الخبرة
الأولى .
–4- الخبرة الجديدة : وتكون عندما ترفض المحكمة نهائيا الخبرة الأولى لأي
سبب من أسباب البطلان والذي يكون لعيب في الموضوع أو لعيب في الشكل، وينتج
عن هذه التفرقة نتائج مهمة، فيكفي أن يكون العيب في الموضوع ليترتب
البطلان، أما العيب في الشكل فلا يؤدي إلى البطلان إلا إذا كانت الشكلية
التي تم إغفالها جوهرية وترتب عنها إضرار بأحد الخصوم كفقدان الخبير
للأهلية أو إجراء الخبرة من خبير بتفويض من خبير آخر هو عيب موضوعي يستوجب
إبطال الخبرة إما كليا أو في جزء منها، ويبقى للمحكمة أن تصادق جزئيا على
هذه الخبرة، وعدم دعوة الخصوم إلى مختلف أطوار الخبرة تبقى الخبرة سليمة
إذا حضروا لأن العبرة بالحضور وليس بالاستدعاء .
وتجدر الإشارة إلى أن البطلان يلحق بالحكم التمهيدي القاضي بإجراء الخبرة
إما بإلغائه، والاستغناء عن الخبرة وإما بإلغائه واستبدال الخبير ولا يمس
مطلقا الدعوى القائمة أمام القضاء .
–5- الخبرة التكميلية :تلجأ إليها المحكمة حينما يعتري الخبرة المنجزة على
ذمة القضية نقصان واضح، أو أن الخبير لم يجب عن جميع الأسئلة والنقط
الفنية المعين من أجلها، ويعهد بالخبرة التكميلية إلى نفس الخبير الذي
أنجز الخبرة الأصلية أو إلى خبير آخر حسب تقدير القاصر.
وهناك الخبرة القضائية المتعلقة بتحديد نسبة العجز في حوادث الشغل،
الأمراض المهنية (الفصل 11 من قرار وزير الشغل بتاريخ 20 ماي 1993)
بالإضافة إلى الدعاوي المتعلقة بالبيوع القضائية بالمزاد العلني أو التي
ترد على أموال القاصر .
وأن المشرع المغربي عمل على تنظيم مجال الخبرة في ثمانية فصول من قانون
المسطرة المدنية وذلك في الفرع الثاني من الباب الثالث المتعلق بإجراءات
التحقيق، وقد طالها التعديل بمقتضى القانون رقم 00 – 85 الصادر بالجريدة
الرسمية، النشرة العامة السنة 90 عدد 4866 ص : 233 وما يليها بتاريخ 23
شوال 1421 هجرية الموافق لـ 18 يناير 2000، وهذا التعديل جاء كنتيجة حتمية
لما كان من إهدار لحقوق الأطراف وتأخير البت في جوهر دعاويهم في كثير من
المناسبات، وبذلك يعد تدخل المشرع المغربي استجابة لمجموعة من النداءات
ومن الدراسة العميقة للوضعية التي آلت إليها الخبرة القضائية في ظل
المنظومة القانونية المغربية، فماذا استجد في مضامين المقتضيات القانونية
المنظمة للخبرة في قانون المسطرة المدنية وفقا لآخر التعديلات؟ وإلى أي
مدى ساهمت في إعادة بلورة الدور الحقيقي من إقرار هذا الإجراء التمهيدي؟
وفي سبيل المحاولة للإحاطة بهذه التعديلات والإجابة عن التساؤلات التي
يطرحها هذا الموضوع الشائك، سوف أتناول في هذا المبحث : القواعد المؤطرة
لتعيين الخبراء (المطلب الأول) مناقشة تقرير الخبرة ومدى حجيته؟ (المطلب
الثاني) .