المجتمع المعلوماتي
وتداعيات العولمة
مع بداية التسعينيات من القرن العشرين ومع انهيار الاتحاد السوفييتي
السابق ودول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد
السوفيتي السابق، وعلى ضوء التطورات المهمة التي جرت على جميع الأصعدة
العلمية والتقنية والتكنولوجية في العالم، وخاصة تكنولوجيا وسائل الإعلام
والاتصال والاستشعار عن بعد، انطلقت بشدة شعارات تدعو للتكامل بين
المجتمعات الصناعية المتقدمة، وفتح باب المنافسة الحرة وإزالة العوائق
أمام انتقال الخبرات والبضائع ورؤوس الأموال في الأسواق العالمية
المفتوحة. ورافق تلك الشعارات بشائر ميلاد المجتمع المعلوماتي الذي يمكن
أن تشارك في بنائه كل عناصر التركيبة الاجتماعية، في عملية تفاعل معلوماتي
باتجاهين أخذاً وعطاء. واعتبر الكثيرون أن ميلاد المجتمع المعلوماتي يبشر
بالتحول من تقديم الخدمات الإعلامية للمتلقي السلبي في عملية الاتصال،
الذي يتلقى سيل المعلومات الموجهة إليه ولمجتمعه دون مشاركة إيجابية منه
في اختيار أو إعداد أو في أساليب نشر تلك المعلومات عبر وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية التقليدية المختلفة، إلى مشاركة عناصر التركيبة
الاجتماعية القادرة كلها في عملية اختيار وإعداد وتخزين وتوجيه ونشر
والاستفادة من المعلومات، والمشاركة المؤثرة والفاعلة في عملية التبادل
والتفاعل الإعلامي داخل المجتمع الواحد بكل عناصره وشرائحه، وبين
المجتمعات المختلفة بشكل عام، بما يوفر فرص الحوار، والتفاهم، والتفاعل
البناء لصالح تقدم الإنسانية جمعاء.
ومعروف أن الأساليب الإعلامية المستخدمة والمنتشرة بشكل واسع حالياً، لم
تكن إلا نتاجاً للتقدم العلمي في مجال وسائل الاتصال والإعلام، ونتيجة
للأبحاث العلمية التامة في مجال الإعلام بفروعه المختلفة: الاقتصادية
والسياسية والعلمية والزراعية والصناعية والتجارية والثقافية وغيرها من
فروع المعرفة الإنسانية، التي جرت خلال النصف الأول من القرن العشرين ولم
تزل مستمرة في التطور في العالم المتقدم كله حتى اليوم. وكان وكما هو
معروف أيضاً نشر تلك المعلومات يتم بالطرق التقليدية عبر الكلمة المطبوعة،
والمسموعة والمرئية أحادية الجانب إي من المرسل إلى المستقبل، دون أن تكون
هناك أية إمكانية للتفاعل الإيجابي بين المرسل والمستقبل عبر الطرق
التقليدية السائدة لنقل لتلك المادة الإعلامية التي حملتها إليه شتى وسائل
نقل وتخزين وإيصال المعلومات المقروءة والمسموعة والمرئية. ولكن الثورة
التي تفجرت بشدة خلال الربع الأخير من القرن العشرين في مجال تقنيات
ووسائل الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد، وضعت البشرية أما منعطف
تاريخي حاسم تشارك فيه اليوم، كل عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة على
المشاركة في عملية التأثير والتفاعل المتبادل من خلال عملية التبادل
الإعلامي المستمرة داخل المجتمع المحلي والدولي، عبر وسائل الاتصال
الحديثة التي أصبحت فيها تقنيات الحاسب الآلي الحديثة دائمة المتطورة تشكل
العنصر المهم والفاعل في حسم القضية كلها لصالح العولمة بكل أشكالها
وأبعادها.
وأصبح الحاسب الآلي الشخصي المرتبط اليوم بشبكات المعلومات المحلية
والإقليمية والدولية، يخزن وينقل وينشر المعرفة بكل أشكالها المقروءة
والمسموعة والمرئية، ليحدث بذلك ثورة حقيقية داخل الأنظمة الإعلامية
التقليدية، وأنظمة تراكم المعلومات واستعادتها. وأصبح يسهم في تطوير عملية
نقل المعرفة التقليدية داخل المجتمعات بعد أن انتقلت لاستخدام تقنيات
الأنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي
والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة. مما وفر فرصة كبيرة
لرفع مستوى الأداء العلمي والمعرفي وأفسح المجال أمام عملية الحصول على
المعارف المختلفة ودمجها وإعادة نشرها، وتسهيل استخدامها في عملية تفاعل
دائمة لا تتوقف.