السلام عليكم
من هدي النبوة
حديث اليوم:
عن الْبَرَاء بْن
عَازِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَخَذْتَ
مَضْجَعَكَ فَتَوَضّأْ وُضُوءَكَ لِلصّلاَة. ثُمّ اضْطَجِع علَى شِقّكَ
الأَيْمَنِ. ثُمّ قُلِ: اللّهُمّ إِنّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ.
وَفَوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ. رَغْبَةً
وَرَهْبَةً إِلَيْكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ.
آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أَنْزَلْتَ. وَبِنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْتَ.
وَاجْعَلْهُنّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ. فَإِنْ مُتّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتّ
وَأَنْتَ عَلَىَ الْفِطْرَةِ" رواه مسلم.
في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداهما الوضوء عند
إرادة النوم فإن كان متوضئا كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة
مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في
منامه وترويعه إياه. الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه. الثالثة: ذكر الله
تعالى ليكون خاتمة عمله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسلمت وجهي إليك" وفي الرواية
الأخرى: (أسلمت نفسي إليك) أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك.
قال العلماء: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم
بمعنى.
ومعنى (ألجأت ظهري إليك) أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد
الإنسان بظهره إلى ما يسنده. وقوله: (رغبة ورهبة) أي طمعا في ثوابك وخوفا
من عذابك. وقوله صلى الله عليه وسلم: "مت على الفطرة" أي على الإسلام بسبب
متابعتك أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ) يعني الفرار
منه إليه، فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر ، وأن كل ما في الكون
من المكروه والمحذور الذي يفر منه العبد ، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده ،
فإنه ما شاء كان ووجب وجوده بمشيئته ، وما لم يشأ لم يكن ، وامتنع وجوده
لعدم مشيئته . فإذا فر العبد إلى الله فإنما يفر من شيء إلى شيء وجد
بمشيئة الله وقدره ، فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه . ومن تصور هذا حق
تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)
فإنه ليس في الوجود شيء يفر منه ويستعاذ منه ، ويلتجأ منه، إلا هو من الله
خلقاً وإبداعاً . فالفارّ والمستعيذ فارّ مما أوجده قدر الله ومشيئته
وخلقه إلى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه وإحسانه ، ففي الحقيقة هو هارب من
الله إليه ، ومستعيذ بالله منه . وتصور هذين الأمرين يوجب للعبد انقطاع
تعلق قلبه عن غيره بالكلية خوفاً ورجاءً ومحبة ، فإنه إذا علم أن الذي يفر
منه ويستعيذ منه إنما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه لم يبق في قلبه خوف من
غير خالقه وموجده ، فتضمن ذلك إفراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء ، ولو
كان فراره مما لم يكن بمشيئة الله ولا قدرته ، لكان ذلك موجباً لخوفه منه
، مثل من يفر من مخلوق إلى مخلوق آخر أقدر منه ، فإنه في حال فراره من
الأول خائف منه حذراً أن لا يكون الثاني يفيده منه ، بخلاف ما إذا كان
الذي يفر إليه هو الذي قضى وقدر وشاء ما يفر منه ، فإنه لا يبقى في القلب
التفات إلى غيره . فتفطن إلى هذا السر العجيب في قوله : (لا ملجأ ولا منجى
منك إلا إليك) فإن الناس قد ذكروا في هذا أقوالاً وقل من تعرض منهم لهذه
النكتة التي هي لب الكلام ومقصوده . وبالله التوفيق .