(ذهبنا لنقطف ثمار الزّيتون، فوجدنا أنّ المستوطنين قد سرقوها) بهذه الكلمات يجيبك الكثير من المزارعين الفلسطينيين الذين يملكون حقولاً للزيتون بالقرب من المستوطنات وخلف الجدار العنصري الذي يحجزهم عن أراضيهم.
وللزيتون مع الفلاح الفلسطيني قصة حب قديمة، وللزّيتونة بالنّسبة للفلسطيني
فشجرة الزيتون تشكل مصدراً مهماً للدّخل والصّمود والانتاج الذّاتي والاعتماد على النّفس للفلاح الفلسطيني، والكثير من الفلاحين ينتظرون موسم الزّيتون من أجل تزويج أبنائهم بعد بيع ما تجود به حقول زيتونهم، إضافةً لمشاريع حيوية أخرى تمسّ حياتهم اليومية. فزيتونة الفلسطيني تعدّ أحد المشاريع المجدية اقتصادياً، لا تحتاج لمصاريف كثيرة سوى جهد عائلي متواضع، ذو مردود مادّي جيد.
فوق ذلك تشكل شجرة الزيتون بالنّسبة للفلسطيني أهميّة كبيرة في حرب اقتلاعه من أرضه من قبل المستوطنين ومؤسساتهم وحكومتهم، فهي قادرة على العيش في ظروف صعبة، ولا تحتاج لعناية كثيرة ومستمرة، ولذلك - وبعكس بقيّة أنواع الأشجار الأخرى- يحرص الفلاح الفلسطيني على زراعة أشجار الزّيتون في الأراض التي يعتقد أنّها معرّضة للمصادرة من قبل المستوطنين وجيشهم وحكومتهم، وبجولة حول المستوطنات يلحظ المراقب أنّ أحزمة من حقول الزّيتون تقف شامخة في مواجهة المستوطنات.
وقوف شجرة الزيتون في وجه الشّراهة الاستيطانية لسرقة الأرض الفلسطينية، جعلها تصبح العدو الأول والضّحيّة الأكبر للحملة الاستيطانية العدوانية ضد الفلسطينيين. ولضرب استقرار واستمرار وتجذّر الفلسطيني في أرضه، يقوم المستوطنون ودولتهم بحرب تجريف وتقطيع وعمليّات ( حلاقة) ومجزرة رهيبة بحق شجرة الزيتون الفلسطينية، وهذا يتم تحت حجج كثيرة، فيتم على سبيل المثل اقتلاع الاشجار التي تقف على جنبات الطّرق وبالقرب من جدران المستوطنات ومعسكرات الجيش بحجج أمنية.
كما يتم سرقة بعض أشجار الزّيتون التي يكون عمرها قديم جداً، ويزرعونها على مداخل بعض المستوطنات، للإيحاء بأنّهم موجودون هنا منذ القدم، مثلما فعلوا بزراعة شجرة زيتون ضخمة، سرقوها من قرية بيت جالا الفلسطينية، على مدخل مستوطنة معاليه أدوميم بالقرب من القدس. كما يقوم المحتلّون بتقطيع الاشجار قبل موسم الزيتون مباشرةً، وإحراقها والحقول بشكل كامل ، وتمً إحراق آلاف الدّونومات في العديد من الأماكن في الضّفة الغربية، وخاصّة في شمالها، و يقوم المستوطنون بقتل الدّواب التي يستخدمها الفلاح الفلسطيني في حراثة أرضه وحمل ثماره وحطبه، ويقومون بتحطيم وإحراق سيّارات الفلاحين، وسرقة ما يقطفونه من ثمار الزّيتون تحت تهديد السّلاح،
أمّا بالنّسبة للأراضي خلف الجدار العنصري الذي سرق وحجز الفلاح عن أرضه وشجره، فيمنع الفلاح الفلسطيني من رؤية أرضه والعناية بها إلا في أوقات يتم تحديدها من قبل الاحتلال، وهذا البرنامج الاحتلالي لا يراعي احتياجات الفلاح وحقوقه التي تتيح له أن يزور أرضه متى شاء ويزرعها ويفلحها كيف يشاء،
لن ننتهي من سرد ما يحيط بالفلاح الفلسطيني وزيتونته من أخطار، ولكنهما بحاجة لمن يدشّن خطوات عمليّة على أرض الواقع تدعم صمودهما.
من الواضح أن للزيتونة الفلسطينية مكانة كبيرة في الحياة و الذّاكرة الفردية والجمعية الفلسطينية، وهي ترتبط تقليدياً بثبات الفلسطيني وتضحياته المستمرة، وعندما تختلط دماء الفلسطيني المتجذّر بأرضه مع زيتون وزيت هذه الشّجرة المباركة، يصبح ضرورياً أن تؤخذ قضية زراعة ورعاية وحماية هذه الشّجرة على محمل الجد، وأن توضع هذه القضيّة من ضمن الأولويات الوطنية التي يتّفق عليها الجميع، وأن لا تبقى هذه القضية حبيسة الانشاء والكتب ووسائل الاعلام وصفحات الشبكة العنكبوتية والاهتمام الموسمي فقط.
منقول بإختصار شديد