الاعتماد المتبادل (الترابط ) Interdependence
يُفترض في السياسة العالمية أن العناصر الفاعلة متصل بعضها ببعض بحيث إنه إذا حدث شيء ما لعنصر فاعل واحد على الأقل، في ظرف واحد على الأقل، في مكان واحد على الأقل، فإنه سيؤثر في جميع الفاعلين. ففي أي نظام من العلاقات كلما ازداد عدد الفاعلين، وكلما ازداد عدد الأماكن والظروف، كلما ازداد الترابط. وكما بين كيوهان (Keohane) وناي (Nye) (1977) فإن الترابط يفترض دائماً حساسية مرهفة، في المدى القصير على الأقل. فالتعريف آنف الذكر ينسجم مع فكرة الحساسية المرهفة المذكورة. ويتحدد ما إذا كان الترابط متَّسقاً (Symmetric) أم لا بمعرفة ما إذا كان جميع الفاعلين في نظام ما يتأثرون على نحو متساو. ويعتبر الاتّساق صُوَّة يمكن استناداً إليها الحكم على حالات فعلية. ومن غير المحتمل أن يكون كاملاً على صعيد الواقع. ومن جهة معاكسة، إذا كان أحد الفاعلين في نظام ما غير مكترث نسبياً بتغيير ما في العلاقات في حين أن فاعلاً آخر يتأثر كثيراً من جراء ذلك التغيير، فعندئذ يكون الترابط غير متَّسق (asymmetric). وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة علاقات تخضع لدرجة عالية من التأثير يكون فيها فاعل واحد أو مجموعة من الفاعلين معتمدين كلياً على فاعل ما أو مجموعة ما من الفاعلين. وهذا الوضع شديد التعرض للمؤثرات ويعتبره كيوهان وناي أثراً أطول أجلاً ومتحدداً بنيوياً للترابط. كما أنه يشبه تحليل القوة.
بما أن الترابط مصطلح حيادي، فقد تكون له معان إيجابية وسلبية. فأنصار الليبرالية الجديدة يرون أن درجة عالية من الترابط تؤدي إلى تعاون أكبر بين الدول. ولذا فإنه يدعم الاستقرار في النظام الدولي. ومن جهة أخرى، يجادل أنصار الواقعية الجديدة (مثل ك. ن. والتز (K. N. Waltz)) بأنه بما أن الدول تسعى للسيطرة على ما تعتمد عليه أو لتقليل اعتمادها على الأقل، فإن الترابط الزائد يؤدي إلى صراع وعدم استقرار. إن جزءاً من الاختلاف بين الموقفين مردّه إلى درجة الاتّساق (التناظر)/ الاعتماد/ شدة التأثر في العلاقة: فالقاعدة العامة هي أنه كلما ازداد الاتّساق (التناظر) كلما ازداد احتمال التعاون والاستقرار. ومن جهة معاكسة، كلما ازداد الاتّساق كلما ازداد احتمال الصراع وعدم استقرار النظام. ويميل مُنَظِّرو التبعية إلى الرأي الأخير. في أمريكا الجنوبية والعالم الثالث كثيراً ما ينظر إلى الترابط باعتباره مرادفاً للامبريالية "البنيوية" (structural) أو "الجديدة" (neo -) حيث يُرى أن "الشمال" قد فرض على (ويستفيد من) اعتماد "الجنوب" على رأسماله وتكنولوجيته وأسواقه. وقد جعل تحول النظام الدولي من نظام أحادي المحور في معظمه إلى نظام متعدد المحاور في فترة ما بعد الحرب الباردة، جعل الكثيرين من أنصار الليبرالية الجديدة يجادلون بأن هذا يؤدي حتماً إلى زيادة الاتّساق. وينجم، بشكل خاص، عن انقضاء ظاهرة عميل القوى العظمى وإحلال العلاقات ذات الأساس الاقتصادي محل العلاقات ذات الأساس العسكري، ينجم عنه ازدياد درجات التفاعل، لا سيما على الصعيد المؤسسي. لذا فإن آلية التعاون، بالنسبة لـ "المؤسساتيين الليبراليين الجدد"، تتعزز على الصعيدين الإقليمي والعالمي، على السواء؛ فالاتصالات الدورية المنتظمة تؤدي إلى تنسيق السياسة والإزالة المتدرجة لحالات اللااتّساق المتطرفة.
ومع أن الأفكار المتعلقة بالترابط أصبحت شائعة جداً خلال سبعينيات القرن العشرين، فإن الكُتاب الأنفذ بصيرة أدركوا أن الترابط، بوصفه علاقات مميِّزة يمكن مماهاته بواحدة من أكثر سمات نظام الدولة ثباتاً، وهي التحالف. ومن الواضح أن أنشطة التماس الحلفاء وإقامة التحالفات يبشر بالترابط. وفي حالة التحالف تعتمد درجة الترابط على مقدار حاجة الحلفاء بعضهم إلى بعض ومقدار اعتماد بعضهم على قدرة بعض في مواجهة الخطر الخارجي. في القرن العشرين توسع مفهوم أهمية الترابط في مجالات قضايا الأمن العسكري خطوة أخرى مع فكرة الأمن الجماعي. وقد دفع الأمن الجماعي، انطلاقاً من مفهوم الترابط، حافز البحث عن الحلفاء خطوة إلى الأمام وسعى إلى إقامة نظام أمني يكون أكثر تنظيماً من التحالف التقليدي. وفي الوقت نفسه أدركت الاستجابتان المؤسساتيتان أهمية الترابط.
وكما بيّن كتاب كيوهان وناي (1977)، فقد نزعت الأبحاث الأقرب عهداً إلى التركيز بالدرجة الأولى على مجالات القضايا الاقتصادية المتعلقة بالثروة والرفاه بدلاً من تلك المشار إليها آنفاً. وتفسير ذلك غير بعيد المنال. فالترابط يزداد مباشرة، بصفة عامة، مع حدوث التصنيع والتحديث. ثم إنه عندما تبدأ، وإذا بدأت، هذه العمليات فسوف تدعو الحاجة إلى وصول منتظم وروتيني للأسواق بغية تحقيق واستدامة النمو الاقتصادي. ويزداد الترابط وتنشأ تغذية رجعية (feedback) معقدة بين بعض الأهداف الاقتصادية وعواقب الترابط. ويعتبر النظام التجاري عادة مثالاً نموذجياً لهذه العملية المتعلقة بالترابط الاقتصادي. وكلما كبرت نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي كلما ازداد اعتماد الدولة على النظام التجاري الدولي.
يعكس اهتمام الأبحاث قريبة العهد بالترابط هذه الحقيقة من حقائق الحياة الاقتصادية بدلاً من مجال القضايا العسكرية – الأمنية. بل لقد تم بناء منظور تام أو نموذج عن السياسة الكلية – التعددية – على أساس إدراك ذلك بوصفها عملية ثابتة ومنتشرة في النظام. وقد تأثرت الأفكار المتعلقة بالأنظمة والتحليل التجريبي (empirical analysis) لبناء الأنظمة، تأثرت بالدرجة الأولى جراء هذا القطاع من النشاط السياسي الكلي.