حجة الوداع للشيخ محمد حسان

<table style="table-layout: fixed;"><tr><td id="cell_24344885"> إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ... من يهده الله فلا مضلّ له ...ومن يضلل فـ لن تجد له وليّا مرشدا والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين . [center] حجة الوداع للشيخ محمد حسان إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الاحزاب: 70). أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.......ثم أما بعد فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعا أيها الأخوة الكرام وأيتها الأخوات الفضليات، طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا وإياكم في بيت من بيوته على طاعته أن يجمعنا وإياكم في الآخرة مع سيد النبيين في جنته ودار كرامته إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله: أعيروني القلوب والأسماع فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، إننا اليوم على موعد مع هذه الرحلة الإيمانية الجليلة الكريمة المباركة، رحلة تغفر فيها الذنوب، وتمحى فيها العيوب، وتطمئن فيها بذكر الله القلوب..... رحلة تسكب فيها العبرات، وتستجاب فيها الدعوات، وتتجلى فيها الرحمات، ويرجع أهلها إن صدقوا بمغفرة رب الأرض والسماوات وقد طهروا من كل ذنب وعيب كيوم ولدتهم الأمهات. تلك هي رحلة الحج لرب الأرض والسماوات التي قال في حقها جل وعلا { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران: 96). وفي الصحيحين من حديث أبي ذر أنه قال لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم " يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال رسول الله المسجد الحرام، قلت ثم أي ؟ قال: المسجد قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة، قلت: ثم أي ؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصلِ فالأرض كلها مسجد" [1] (صحيح مسلم). إن أول بيت وضعه الله للعبادة في هذه الأرض هو بيت الله الحرام وأختلف العلماء في أول من بنى البيت... فمن علماءنا من قال أن أول من بني بيت الله الحرام هم الملائكة، ومنهم من قال أن أول من بني البيت هو آدم عليه السلام ومنهم من قال أن أول من بني البيت هو إبراهيم عليه السلام....والراجح أن القواعد في هذا البيت كانت قديمة وجاء إبراهيم وولده إسماعيل بأمر الله جل وعلا فرفع هذه القواعد مصداقا لقول ربنا في سورة البقرة { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (البقرة: 127). ولما بنى إبراهيم هذا البيت أمر الله إبراهيم أن يؤذن في الناس بحج البيت ففرض الله الحج على عباده الموحدين كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه " قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، فقام الأقرع بن حابس وقال: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فسكت الحبيب المصطفى، فقام الأقرع مرة ثانية وقال: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فسكت الحبيب المصطفى، فقام الأقرع بن حابس للمرة الثالثة وقال: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال الحبيب: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن سيء فدعوه [2] (صحيح مسلم) . فلقد افترض الله حج بيته على عباده الموحدين، فيا من يسر الله لك النفقة وقدرك الله على الاستطاعة، الله الله في هذا الركن العظيم من أركان الدين. قال النبي صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا" [3] (صحيح البخاري)." فتعالوا بنا أحبابي في الله لنعيش هذه الدقائق مع هذه الرحلة الإيمانية الكريمة المباركة أسأل الله العظيم ألا يحرمنا وإياكم من فضله وأن يجعلنا وإياكم ممن حج بيته الحرام، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. وقد اخترت لكم اليوم حجة المصطفى صلى الله عليه وسلم فما أجمل أن يكون اللقاء معه وما أحلى أن تكون الرحلة مع حبيبنا المصطفى، مع أسوتنا وقدوتنا الذي أمرنا الله بإتباعه فقال { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } (الاحزاب: 21) والذي أمرنا الحبيب أن نتبعه في هذه المناسك فقال " خذوا عني مناسككم [4] (صحيح مسلم) ، وسوف نقف اليوم مع حجة المصطفى الوحيدة التي تسمى بحجة الوداع فمن رحمة الله بالأمة أن النبي لم يحج إلا مرة واحدة ولو حج النبي أكثر من مرة لأصر كثير من أبناء الأمة أن يحجوا كما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها رحمة الله بهذه الأمة المرحومة، ولقد ورد في هذه الحجة حديث عظيم جليل إنفرد به الإمام مسلم في صحيحه من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعا_ هذا الحديث العظيم يشتمل على الكثير من النفائس والمسائل والقواعد الفقهية الجليلة حتى عكف عليه الإمام الكبير ابن المنذر فصنف فيه جزءا كبيرا، واستخرج من هذا الحديث فقط ما يزيد على مائة وخمسين مسألة من مسائل الفقه وقواعد الأصول وتعقب الإمام بن المنذر الإمام النووي رحمه الله فقال: ولو تقصى الإمام بن المنذر لزاد على هذا القدر من المسائل ما يساويه من مسائل الفقه وقواعده_وهذا الحديث من أفراد الإمام مسلم أي _ انفرد به الإمام مسلم دون الإمام البخاري_ يقول جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله رضى الله عنه فسأل جابر بن عبد الله عن القوم _ وكان جابر في هذا الوقت قد فقد بصره فظل يسأل القوم عن أسمائهم _ حتى انتهى إلىَّ فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا محمد بنُ الحسين بن علي.. فقال جابر: مرحباً بك يا ابن أخي سل عما شئت. فقال له محمد: أخبرني عن حجةِ رسول الله ...فقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: إن رسول الله مكث تسع سنين لم يَحُجَّ حتى إذا كان في السنة العاشرة أذن في الناس أن رسول الله حاجٌ فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله [5] (صحيح مسلم)._ هذا مطلع حديث جابر _وقد استدل بعضُ أهل العلم من هذه الفقرة من هذا الحديث المبارك على جواز التراخي في الحج إذ أنهم قالوا فرض الحج على الرسول في السنة التاسعة عند أكثر أهل العلم من المحققين وأخر النبي الحج إلى السنة العاشرة ولكن النبي أخره لأنه كره الاختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانوا يحجون ويطوفون بالبيت وهم عُراة_ كانوا يتجردون من كل الثياب الرجال والنساء، سبحان ربي العظيم كانوا يقولون لا يجوز لنا أن نطوف ببيت الله الحرام بثياب عصينا الله بها وهم على الكفر والشرك _ فكره النبي أن يطوف مع المشركين وهم عراة فلم يحج في السنة التاسعة حتى فتح الله عليه مكة وطهر الله البيت الحرام من المشركين ومن الأصنام فحج النبي بيت الله الحرام.. إذا.. الراجح أنه يجب على كل مسلم يسر الله له النفقة والاستطاعة وجب عليه أن يتعجل الحج على الفور لا على التراخيً لقول النبي في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وهو حديث حسنقال :« تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ_يَعْنِي الْفَرِيضَةَ _ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ » [6] (مسند احمد). فإن يسر الله لك النفقة ويسر لك الاستطاعة وجب عليك على الفور أن تحجبيت الله وأن تؤدي هذا الركن الخامس من أركان دين الله جل وعلا،،، ومن شروط الاستطاعة عند المرأة المسلمة أن يكون معها محرم . ففي الصحيحين من حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة مسلمة أن تخلو برجل إلا مع ذي محرم، ولا يحل لامرأة مسلمة أن تسافر إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا _أي سجلت نفسي في قائمة المجاهدين _ وإن امرأتي خرجت حاجة _أي خرجت وحدها _ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:ارجع فحج مع امرأتك" [7] (صحيح البخاري). وأعفاه النبي من الخروج إلى الجهاد حتى لا تخرج امرأته وحدها بدون محرم،، الأمر لا يحتاج إلى تفلسف أو تحزلق وإنما يجب أن نلتزم أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كانت المرأة قادرة ومنَّ الله عليها بالنفقة ووسع الله عليها ولم تجد لها محرم من المحارم سقط عنها الحج على الراجح من أقوال المحققين من أهل العلم فإن تيسر لها المحرم وجب عليها أن تخرج لحج بيت الله، بل ومنهم من قال يجوز لها أن تخرج لحج الفريضة مع أحد محارمها حتى ولو لم يأذن لها زوجها أما في حجة أخرى غير حجة الفريضة فلا يجوز لها أن تخرج إلا برضا وإذن زوجها مع أحد محارمها والله تعالى أعلم. يقول جابر بن عبد الله : ثم أذن في الناس في السنة العاشرة أن رسول الله حَاجٌ فقدم المدينة بشر كثيرٌ كلُهم يلتمَسُ أن يأتم برسول الله ويعملَ مثلَ عملِهِ يقول جابر : فرَكِبَ النبي صلي الله عليه وسلم القَصْواء -وهو اسم لناقة حبيبنا الرسول"- يقول جابر: فخرجنا حتى أتينا ذا الحُليفة [8] (صحيح مسلم). * وذو الحُليفة ميقاتُ أهل المدينة والذي يُسمى اليوم {بأبيار على} وهذا هو الميقات الأول من المواقيت المكانية التي حددها المصطفى . * والميقاتُ الثاني هو الجُحفة وتعرف الآن برابغ وهى ميقاتٌ لأهل الشام ومصر ومن مر بها من غير أهل مصر والشام. * والميقات الثالث هو قرنُ المنازل ويُعرف الآن بالسيل الكبير وهو ميقاتٌ لآهل نجد والطائف ومن مر به. * والميقات الرابع هو يَلمَلْمَ ويعرف الآن بالسعدية وهو ميقاتٌ لأهل اليمن ومن مر به. هذه هي المواقيتُ المكانية التي حددها المصطفى لمن أراد الحج أو العمرة _ وقال: هن لهن _ أي لأهلهن _ ولمن أتى عليهنمن غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة فيجب على كل من أراد الحج والعمرة أن يحرم منها_ أي من هذه المواقيت المكانية_ أو بمحاذاتها في البر أو في البحر أو في الجو فإن تجاوز الحاج أو المعتمر هذا الميقات ولم يحرم منه فعليه دمُ جبران وهو قولُ جمهورِ أهل العلم. يقول جابر: فخرجنا مع رسول الله حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماءً بنت عُمِيْس_ زوج الصديق رضي الله عنه_ محمدَ بنَ أبى بكر فأرسلت إلى رسول الله كيف أصنع ؟ قال: اغتسلي واستنثرى بثوب وأحرمي [9] (صحيح مسلم). استدل أهل العلم في هذه الجزئية على التالي أولا: استحباب الغسل للحائض والنُفساء _ وهذا الغسل للنظافة وللطهارة _ وهو قول الجمهور. ثانيا: صحة إحرام الحائض والنفساء فيجب على الحائض والنفساء أن تحرم بالحج من الميقات وأن تؤدي كل مناسك الحج إلا أنها لا تطوف بالبيت. وفي الصحيح عن عائشة رضى الله عنها أنها حاضت قبل أداء مناسك العمرة فأمرها النبي أن تحرم بالحج غير أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر وأن تفعل ما يفعله الحاج. فإذا أدت المرأة مناسك الحج كاملة ثم جاءتها حيضتها بعد طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة وقبل طواف الوداع سقط عنها طوافُ الوداع لأن الحائض والنفساء ليس عليها طواف ُالوداع. وقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر من مجموع الفتاوى إلى مسألة خطيرة ألا وهي: " إذا جاءت الحيض للمرأة المسلمة وعجزت أن تستقر أو أن تمكث في مكة حتى يرتفع عنها الحيض وهي مرتبطة بركب أو بوفد ولا تملك أن تبقى في مكة وقد جاءت من بلاد بعيدة كمصر والشام واليمن وغير ذلك فماذا تصنع وهي لا تملك أن تعود إلى مكة بعد أن ترتفع حيضتها؟؟؟ أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بعد مقدمات أصولية جليلة عظيمة بأنه يجوز للمرأة في هذه الحالة أن تغتسل وأن تستنثر_ أن تلجم فرجها بخرقة أو بنحو ذلك حتى لا يسقط دم حيضها فينجس المكان _ وتنزل لتطوف ببيت الله ويجزئها ذلك فإن حيضتها ليست بيدها وهذه رحمة من الله جل وعلا بهذه الأمة."وهكذا أحرم النبي من ذي الحليفة ويسن للحاج أو المحرم أن يتطيب بعد الغسل وأن يلبس ملابس الإحرام فلما أحرم النبي يقول جابر : فصلى رسول الله في المسجد. ولذا استحب الجمهور أن يكون الإحرامُ بعده صلاة. إما فريضة وإما نافلة. والنافلة كركعتي سنة الوضوء إذ لم يثبت عن النبي أنه صلى ركعتين لسنة الإحرام، فإذا أحرمت فصلى فريضة إن كان الوقت للفريضة أو تصلي ركعتين لسنة الوضوء بعد إحرامك فإذا صليت أهللت بالنية وقلت لبيك عمرة أو لبيك حجة أو لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج...... وهذه هي الأنساك الثلاثة:الإفراد والقران والتمتع الإفراد: أي أن تفرد الحج وحده. القران: أي أن تدخل العمرة في الحج كما فعل المصطفى. التمتع: أي أن تؤدي العمرة ثم تتحلل من إحرامك لتهل بالحج في يوم التروية أي في اليوم الثامن من ذي الحجة. يقول جابر: فصلى رسول الله في المسجد ثم رَكِبَ القَصْواء {وهو اسم لناقة الرسول} حتى إذا استوت به ناقُته على البيداء _ أي على الصحراء _ نظرتُ إلى مدَّ بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ وعن يمينه مثلَ ذلك وعن يساره مثلَ ذلك ومن خَلفِه مثلَ ذلك ورسول الله بين أَظهُرنا وعليه ينزلُ القرآن وهو يعرفُ تأويله ويعمل فنعمل بعمله صلى الله عليه وسلم فأهل النبي بالتوحيد:« لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» [10] (صحيح مسلم). وهذه التلبية أيها الأحبة كانت تحتاجُ منا وحدها إلى لقاء كاملٍ مستقل فهي شعار التوحيد وهي روح الحج ومقصد الحج بل هي المحك الحقيقي لكل أعمال العباد ففيها من الإذعان والمحبة لله جل وعلا ما تكتمل به عبودية العبد لله رب العالمين. لبيك اللهم لبيك: أنت تقول لربك ها أنا ذا يا رب قد أتيتك لألبي أمرك ولألبي نداءك على لسان خليلك إبراهيم، فيوم أن أتم الخليل بناء البيت أمره الله جل وعلا فقال: يا إبراهيم أذن في الناس بالحج، فقال إبراهيم: وما يبلغ صوتي يا رب ؟ فقال الله جل وعلا: أذن يا إبراهيم وعلينا البلاغ، فقال إبراهيم: فماذا أقول، فقال الله جل وعلا له: قل يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ له بيتا فحجوه فسمعه من بين السماء والأرض ألا ترون أن الناس يأتون من كل فج عميق يلبون [11] .أي يقولون: لبيك اللهم لبيك والحديث رواه بن جرير ورواه بن أبي حاتم ورواه البيهقي بأسانيد قوية من حديث بن عباس كما قال الحافظ بن حجر في فتح الباري في كتاب الحج وذكر كل هذه الروايات الإمام السيوطي في الدر المنثور. لبيك لا شريك لك لبيك: أتيت لأعبدك وحدك ولأذعن لك وحدك ولأستسلم لك وحدك ولأصلي لك وحدك ولأذبح لك وحدك....إنه التوحيد يا عباد الله قال الله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (الانعام: 162)، فوالله ما لقي الله عبد بشيء أعظم من التوحيد، وما لقي الله عبد بشيء أخبث من الشرك.... فيا أيها الموحد لله جل وعلا احرص على توحيدك ونقي توحيدك من شوائب الشرك الجلي أو الخفي فإن أعظم القربات إلى الله هي توحيد الله جل وعلا. وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة من أي أبوابها الثمانية شاء" [12] (صحيح مسلم)، وفي رواية عتمان بن مالك فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله عز وجل" [13] (صحيح بخاري)، إنه التوحيد " يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" [14] (سنن الترمذي)، إنه التوحيد أيها الموحدون، فليكن إذعانك لله، فليكن عملك لله، فلتكن صلاتك لله، فليكن ذبحك لله، فلتكن استعانتك بالله، فليكن توكلك على الله، فليكن تفويضك لله، فليكن رجاؤك في الله، فلتكن استغاثتك بالله، فليكن عملك كله لله جل وعلا لأنه لا يستحق العبادة إلا الملك...قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (الذاريات: 56). لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك والعجب أن المشركين كانوا يلبون الله بهذه التلبية الجميلة كما ورد في صحيح مسلم من حديث بن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك قال ابن عباس: فإذا سمعهم الرسول الله قال لهم: قدٍ قدٍ _ أي قد كفاكم هذا فاقتصروا عليه ولا تزيدوا _ لكنهم كانوا يقولون بعدها: إلا شريكاً هو لك تملِكُهُ وما مَلك" [15] (صحيح مسلم). فما من شيء يسمعك أيها الملبي من حجر أو شجر أو مدر إلا ويشهد لك بين يدي الله جل وعلا يوم القيامة.....ارفع صوتك بالتلبية، والمرأة تلبي بقدر ما تسمع نفسها،، يقول جابر بن عبد الله: فأهل النبي بالتوحيد:« لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ [16] (سنن ابي داود)، ومن أراد أن يراجع النفائس عن معاني هذه التلبية فليراجع عون المعبود في شرح سنن أبي داوود للإمام بن القيم علق عليها الإمام ابنُ القيم تعليقاً بديعاً واستخرج منها أكثر من عشرين فائدة.» يقول جابر بن عبد الله: حتى إذا أتينا البيت _ هكذا وصل المصطفي إلى بيت الله الحرام ويسن للداخل إلى بيت الله الحرام أن يدخل برجله اليمنى وأن يقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإن يسر الله له أن يدخل من باب السلام فحسن، حتى إذا رأى البيت دعا اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا، وزذ من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا ومهابة وإجلالا وبرا [17] . ولذا ورد في الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن يقول جابر: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن [18] _ أي الحجر الأسود مسحة بيده وهو سنة في كل طواف وفى صحيح مسلم أن رسولَ الله كان لا يستلمُ إلا الحجر والركن اليماني وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين وتقبيل الحجر الأسود إن أمكنَّ ذلك من غير إيذاء لأحدٍ من المسلمين والمسلمات، والاستلام معناه: أن تضع اليد عليه، فإن وضعت يدك عليه قبَل يدك كما فعل المصطفىفإن عجزت أن تطول الحجر لتقبله بفمك أو لتستلمه بيدك فيجب عليك أن تشير له من أي موضع كنت في صحن الطواف وأن تقول بسم الله، الله أكبر اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاءً بعهدك، وإتباعا لسنة نبيكثم لتشرع أيها الحبيب في الطواف ويبدأ شوط الطواف من عند الحجر الأسود حتى تصل إلى الحجر مرة أخرى، هذا شوط كامل من أشواط الطواف. وفى الحديث الذي رواه مسلم أن عمر بن الخطاب قَبَّل الحجر الأسود وقال : والله إني لأُقبلُك وإني أعلمُ أنك حجر وأنك لا تضرُ ولا تنفع ولولا أنى رأيتُ رسولُ الله يقبلك ما قبلتُك [19] (صحيح البخاري)،وهذا هو التوحيد أيضا ...قمة الاستسلام، وقمة الإذعان لله عز وجل الله يأمرك ورسول الله يأمرك فلتذعن... يأمرك أن تقبل الحجر الأسود ويأمرك أن ترمي الحجر الآخر في منى بحجر...تقبل حجر وترمي حجر آخر بحجر... إنه الاستسلام..إنه الانقياد والإذعان لأمر الله جل وعلا ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم.» يقول جابر: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فَرَمَلَ ثلاثاًَ ومشى أربعاً [20] . والرمل: هو إسراعُ المشي مع تقارب الخطى {الجري في المحل} وهو مستحب في الأشواط الثلاثة الأُول......لماذا؟؟ لأنه ورد فى صحيح مسلم من حديث ابن عباس قال قدم رسولُ الله وأصحابُه مكة وقد وهنتهم حُمى يثرب فقال المشركون: إنه قدمُ عليكم غداً قومٌ قد وهنتهم الحمى وَلَقُوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحِجْرَ وأمرهم النبي أن يرمُلُوا ثلاثة أشواطٍ وأن يمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جَلَدَهم فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلدٌ من كذا وكذا قال ابن عباس ولم يمنعْهُ أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كُلها إلا الإبقاءُ عليهم [21] (صحيح مسلم).» يقول جابر: ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ قول الله عز وجل { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125) فجعل النبي المقام بينه وبين البيت وصلى ركعتين [ قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد] ثم رجع إلى الركن. فاستلمه [22]_ وهي سنة يغفل عنها كثير من الناس فمن عجز عن ذلك فلا حرج عليه لأنه لا يجوز لأحد أن يؤذي المسلمين والمسلمات في الطواف ليصر على أن يقبل الحجر الأسود، فعدم إيذاء المسلمين فريضة على كل مسلم ومسلمة وتقبيل الحجر سنة، فالله الله أن تضيع فرضا من أجل سنة، فإن يسر الله لك فافعل وإلا فلا تؤذي أحدا من إخوانك من المسلمين أو من أخواتك من المسلمات_ ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قال النبي: أبدأ بما بدأ به الله عز وجل وقرأ قول الله تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158)، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة _ وفى رواية أبى هريرة في صحيح مسلم لا من حديث جابر {ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه} ثم وحد الله وهلله وكبره وقال: « لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا اللهُ وحده أـنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده» ثم دعا بين ذلك وقال مثلَ هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى بطن الوادي ليسعى حتى جاء بمحاذاة الميلين الأخضرين المعروفين الآن فهرول النبي صلى الله عليه وسلم هرولة شديدة حتى كان إزاره يلتف على ساقيه_ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم _ حتى وصل إلى المروة فارتقى على المروة والتفت إلى الكعبة ودعا بمثل ما دعا عليه على الصفا.ثم نزل بعد ذلك إلى الوادي ليسعى فعل ذلك سبعة أشواط، يدعوا في سعيه حتى إذا كان آخرُ طوافهِ على المروة _في الشوط الأخير _قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً » فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ «دخلَتِ الْعُمْرَةُ فِيْ الحج لِأَبَدٍ الأَبَدٍ [23] (صحيح مسلم)، _أي إلى يوم القيامة _». ثم أمر النبي أصحابه الذين ساقوا الهدي معهم أن يحلوا من إحرامهم وأن يقصروا وأن يجعلوها عمرة قال جابر: فحل الناسُ كلُهم وقصَّروا إلا النبي ومن كان معه هدىٌلأن النبي كان قارنا _ فلما كان يومُ التروية {ويومُ التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة} أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وتوجهوا إلى مِنى _ ركب القصواء وتوجه إلى منى_ فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم أمر النبي بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة وفي اليوم التاسع صلى النبي الفجر في منى وانتظر حتى أسفر الصبح ثم رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات وقريش تظن أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريشٌ تصنعُ في الجاهلية فمر النبي حتى جاوز المشعر الحرام وأتى وادي عرفة فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة _ووادي نمرة يختلف عن وادي عرفة ولا يصح لك أن تقف في هذا الوادي بل يجب عليك أن تقف في وادي عرفة وأن تتحرى ذلك جيدا _ فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فَرحُِلَتْ له فأتى بطنَ الوادي فخطب الناس تلك الخطبة العصماء الجليلة فلقد جمع فيها المصطفي قواعد وأصول هذا الدين وقال: « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضكم حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» ثم قال :« َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ..... ثم قال :« وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل » ، ثم قال :« وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِف [ بالقرب من الصخرات] وقال وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ [ يدعو الله عز وجل] _ [24]،إنه يوم عرفة...أعظم يوم من أيام الله....إنه يوم تتجلى فيه الرحمات من رب الأرض والسماوات على حجاج بيت الله الحرام يباهي الله بعباده ملائكته كما في صحيح مسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، يباهي الله بعباده ملائكته ويقول ماذا أراد هؤلاء؟ انظروا عبادي ءاتوني شعثا غبرا أشهدكم أني قد غفرت لهم [25] (صحيح مسلم)، يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" [26] (صحيح مسلم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" العمرة إلى العمرة كفَارة لما بينهما وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة" [27] (صحيح مسلم)، إنه فضل الله عز وجل.... لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا رافعا يديه _ وقد ورد في الصحيح أن خطام الناقة وقع من يده فمد النبي ليأتي بخطام الناقة ورفع يده الأخرى يدعوا الله جل وعلا بها _ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة. وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ [ حتى لا تسرع ] والرسول يشير إلى الناس بِيَدِهِ الْيُمْنَى وهو يقول: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ _ ولك أن تتخيل أن هذه الكلمة تقال لمائة ألف حاج فتنزل السكينة ويسكن كل حاج ويتحرك هذا الركب الإيماني بقيادة الحبيب محمد في غاية السكينة والوقار_.... حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا[ أي لم يصل بينهما نافلة] ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ بالقصواء حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ إلى منى... [28] (صحيح البخاري)." حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بيده ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بدنة بِيَدِهِ وفى مسند أحمد وصحيح مسلم من حديث أنس رسول الله أتى منى فرمى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه اليمن ثم الأيسر ثم جعل يوزع شعره على الصحابة رضوان الله عليهم » وفي لفظ عائشة تقول: فعاد النبي إلى منزله في منى فنحر وأمر الحلاق أن يحلق شعره وأشار إلى شقه الأيمن ثم الأيسر ثم اغتسل ولبس ثيابه وطيبته عائشة رضي الله عنها وانطلق المصطفى إلى مكة ليطوف بالبيت طواف الركن _أي طواف الإفاضة_. [ 29] (صحيح البخاري). قال جابر: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ إلى مكة فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ [ أي طاف طواف الإفاضة وهوركن من أركان الحج بإجماع المسلمين] ثم صَلَّى النبي بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ:« انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ »فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ تقول عائشة كما في مسند أحمد وسنن أبى داود ثم رجع رسولُ الله إلى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا تقول: فلما أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق عاد النبي مرة أخرى إلى مكة ليطوف طوافع الوداع كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ. [30] (صحيح البخاري). وهذا بإيجاز هو حج المصطفى الذي قال: «خذوا عنى مناسككم». وينبغي عليك بعد ذلك إن ذهبت إلى المدينة المنورة ودخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفت أمام القبر الشريف أن تقف بكل أدب وتواضع وأن تقف بوجهك تجاه القبر الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام وأن تسلم عليه بصوت خفيض قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } (الحجرات: 2)لا في حياته ولا بعد موته ولما رأى الفاروق عمر رجلين يرفعان أصواتهما في مسجد رسول الله حصبهما وقال إئتيا إلى فلما أتيا إليه قال: ترفعان أصوتكما في مسجد رسول الله من أين أنتما ؟ قالا من الطائف.. قال والله لو علمت أنكما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. فلا يجوز لمسلم أن يرفع صوته فوق صوت الحبيب، ولا يجوز لمسلم أن يرفع صوته في مسجد الحبيب أو أمام قبره فإذا دخلت المسجد أيها الحاج فيجب عليك إبتداء أن تحي صاحب البيت وهو الله رب العالمين فتصلي لله ركعتين في الروضة المنورة، ثم تقدم وقف بوجهك تجاه قبر الحبيب وسلم عليه وقل السلام عليك يا رسول الله ويكفيك هذا فإن زدت فلا بأس ولا حرج، ثم انحرف قليلا إلى اليمين لتجد نفسك بمحاذاة الصديق الأكبر الذي شرفه الله بصحبة رسوله في الدنيا ومضاجعته في القبر حتى يحشر معه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر وسلم عليه ثم انحرف قليلا إلى اليمين وسلم على عمر الفاروق رضي الله عنه فإذا ما سلمت على حبيبك المصطفي وعلى أبي بكر وعمر، التفت بوجهك إلى القبلة وارفع يديك وادعوا الله عز وجل بما منَّ الله به عليك من دعاء...لا تسأل حبيبك المصطفى....لا تسأل أحدا غير الله فإذا كان يحرم عليك سؤال أحدا غير الله، فهل يجوز لك أن تسأل وليا بعد حرمة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يا أخي الحبيب....لا تسأل المصطفى وإنما علمك حبيبك المصطفى: أذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف [31] (سنن الترمذي). وأريد أن أنبه أن زيارة المسجد النبوي ليست ركنا من أركان الحج وليست واجبا من واجبات الحج بل وليست سنة من سنن الحج حتى لا يشق أحدا على نفسه إن لم ييسر الله له زيارة المسجد النبوي وإلا فوالله من الجفاء أن تذهب لحج بيت الله ولا تذهب لمسجد رسول الله لتسلم عليه فنحن نشد الرحال إلى المسجد النبوي ومن ثم لنسلم على الحبيب المصطفى ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم حج بيت الله الحرام وأن يرزقنا وإياكم الحشر تحت لوائه الكريم وأن يسقينا بيده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا وصلى الله وسلم على محمد والسلام عليك ورحمة الله وبركاته المصـــآدر [url=http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=written_lesson&lesson_id