وهي متعددة الأشكال إذ من بينها الدولة، المؤسسات العامة، المصالح المستقلة، البلديات، الجمعيات، النقابات، الشركات، وكل مجموعة من الأشخاص و الأموال يعترف لها القانون بالشخصية المعنوية.»(1)
وما يمكن ملاحظته عن هذه التعريفات أنها تنظر إلى الشخصية المعنوية من زاوية واحدة، فتتفق في تعريفها على مجموعة العناصر المكونة لها و الغرض الذي أنشئت من أجله، وكذا النتائج المترتبة عن الاعتراف بها.
(1) سمير عالية، شرح قانون العقوبات العامة، دراسة مقارنة، 1998، ص 286.
المطلب الثاني: عناصر و مقومات الشخص المعنوي
لتكوين الشخص المعنوي يجب توافر عناصر معينة. فمنها، الموضوعي، المادي، المعنوي يشترط أن تتوافر في كافة أنواع الأشخاص المعنوية. ما عدا العنصر الشكلي يختلف من شخص معنوي إلى أخر.
أولا : العنصر الموضوعي
يقصد به اتجاه إرادة الأفراد إلى إنشاء الشخص المعنوي، فللإرادة دورا فعالا في ذلك.
فالشركات مثلا شخص معنوي خاص لا ينشأ إلا بعقد كما جاء في نص المادة 416 القانون المدني " الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو اعتباريان أو أكثر على المساهمة في نشاط مشترك بتقديم حصة من عمل أو مال أو نقد بهدف اقتسام الربح الذي قد ينتج، أو تحقيق اقتصاد أو بلوغ هدف اقتصادي ذا منفعة مشتركة."
و بالرجوع إلى نص المادة 49 ق.م نجد أن الدولة شخص معنوي عام، هذه الأخيرة التي تنشأ بمجرد توافر عناصر هامة، شعب، إقليم، حكومة ذات سيادة(1)
ثانيا : العنصر المادي
يتمثل في مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال وفقا لنوع الشخص المعنوي المراد إنشاءه، ففي مجموعة الأموال، الشركات التجارية، لابد من توافر المال، وأن يكون كافيا لتحقيق الغرض المقصود.
ثالثا : العنصر المعنوي
يجب أن يكون غرض الشخص المعنوي يهدف إلى تحقيق مصلحة المجموعة، سواء كان هدفا عاما يحقق بذلك المصلحة العامة أو خاصا بجماعة معينة كمصلحة الشركاء في التركة ولابد من تحديد الغرض ماليا كان أو غير مالي إضافة إلى شرط المشروعية وعدم مخالفته للنظام العام والآداب العامة.
(1) قانون رقم 90/31، الصادر في 04/12/1990، الجريدة الرسمية رقم 53، لسنة 1990.
رابعا : العنصر الشكلي
هذا العنصر مهم جدا في تكوين بعض الأشخاص المعنوية، خاصة منها ما يتطلب فيها القانون الرسمية و النشر أو يلزم الحصول على ترخيص خاص لاكتساب الشخصية المعنوية كالشركة اشترط أن يكون عقدها مكتوبا في شكل رسمي و إلا كانت باطلة وفقا للمادة 418 من القانون المدني الجزائري و المادة 545 من القانون التجاري بالإضافة إلى الشهر وفق إجراءات القيد في السجل التجاري تبعا لأحكام المادة 417 ق.م.
وبتوافر هذه العناصر يتم الاعتراف بالشخص المعنوي بعد تدخل المشرع لإنشائها وإعطائها الصيغة القانونية ككيان موجود قانوني و محدد، وهذا ما يعرف بالاعتراف الخاص كما هو الحال بالنسبة للجمعيات.(1)
(1) فريدة زاوي، المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق، المؤسسة الوطنية للفنون، مطبعة الجزائر، سنة 2002، ص ص 110-111.
المبحث الثاني: تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
يعد إقرار مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أهم تجديد أتى به تعديل قانون العقوبات أمر 04-15.
و إقرار هذا المبدأ لم يأتي من فراغ، بل سبقته مناقشات فقهية مند نهاية القرن الماضي، ووضع قضائي خضع لتطور من إنكار مطلق إلى محاولة التحقيق من غلو هذا الإنكار إلى التكريس الفعلي لهذا المبدأ، فضلا عن بعض الاستثناءات التشريعية وردت على المبدأ العام السائد و الذي مفاده أن القانون الجنائي لا يطبق إلى على الأشخاص الطبيعية و التي من خلالها تبلورت إشكالية المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في حالة ما إذا ارتكب أحد ممثلي الشخص المعنوي جريمة باسمه و لحسابه.
فهل يمكن أن يسأل الشخص المعنوي عنها بجانب مسؤولية الشخص الطبيعي؟
الإجابة عن هذا السؤال خضعت للتطور سواء في الفقه أو التشريع وهو ما سنعالجه من خلال هذا المبحث بداية بتحديد موفق الفقه من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟ كمطلب أول، و الاتجاه التشريعي المرحلي لتكريس هذه المسؤولية كمطلب ثاني.
المطلب الأول: الجدل الفقهي حول مساءلة الشخص المعنوي
لقد ظل الفقه طوال القرن الماضي يردد القول بعدم مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا إلى أن بدأ في نهاية القرن التاسع عشر (19) على وجه التحديد ما سعى إليه الفقيه الفرنسيA.Maester الذي اعتنق صراحة الفكرة القائلة بإمكانية مسائلة الشخص المعنوي جزائيا.(1)
وعلى الرغم من ذلك و خلال القرن العشرين (20) ظل الرأي في الفقه بين مؤيد ومعارض و إن كان ميدان المعارضة أحذ ينحصر تدريجيا مفسحا المجال لأنصار هذه
(1) محمد أبو العلاء عقيدة، الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد، دار الفكر العربي، لبنان، 1997، ص 43.
المسؤولية و للمعارضين و المؤيدين وجهة نظرهم التي استندوا عليها.(1)
الفرع الأول: الرأي المعارض
مؤدى الرأي المعارض الذي دافع عليه على وجه الخصوص فقهاء القرن التاسع عشر أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا ذلك لأن المسؤولية الجزائية لا تقع إلا على عاتق الشخص الطبيعي أي ممثل الشخص المعنوي أو أحد القائمين بأعماله، و ذلك على أساس أنها وقعت من طرفهم شخصيا و تنسب إليهم ولا يمكن أن توقع أو تنسب إلى الشخص المعنوي وذلك بناء على الأسس التالية:
- أن الشخص المعنوي عديم الإرادة و الإدراك، كما أن أهليته محددة بالغاية التي نشأ من أجلها، فعلى مستوى الإسناد يستحيل من الناحية القانونية أن يسند للشخص المعنوي خطأ شخصيا حيث لا يتوفر له وجود حقيقي ولا يتمتع بالإرادة و المسؤولية الجزائية تستلزم لقيامها خطأ شخصي يتمثل في إمكانية إسناد هذا الخطأ للشخص الذي ارتكبه.(2) ولذا فالنتيجة المنطقية لهذه الحقيقة هي أن الشخص المعنوي هو محض خيال
fiction ou personne incorporelle ، ولا يمكن أن يكون محل للمسؤولية الجزائية وذلك أنه افتراض قانوني اقتضته الضرورة من أجل تحقيق مصالح معينة ولا يتصور إسناد الجريمة إليه من الناحيتين المادية و المعنوية.(3)
كما أن إرادته غير مستقلة على مسيره، وهو لا يستطيع القيام بالفعل المادي للجريمة وعلى مستوى العقوبة، فهناك عقوبات يستحيل توقيعها على الشخص المعنوي، كالإعدام
و العقوبات السالبة للحرية و إن أمكن توقيع بعضها فسوف نصيب بدون شك الأشخاص الطبيعيين و هؤلاء الأشخاص لا ذنب لهم في وقوع الجريمة، و بالتالي يؤدي تطبيقها على الشخص المعنوي إلى التعارض مع مبدأ شخصية العقوبة الذي يفيد عدم توقيعها إلا
Thery Garé, Catherine Gines tes, droit pénal, cour d’allor serie hyper cour édition 2000, page 11. (1)
(2) أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثانية منقحة ومتممة، سنة 2004، دار النشر غير مذكورة، ص 216.
(3) فتوح عبد الله الشاذلي، و علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات النظرية العامة للجريمة، جامعة الإسكندرية، 1997، ص101.