يعتبر
هذا المصطلح من المصطلحات السياسية ذات الدلالات المتعددة والمتناقضة
أحياناً. فمن دلالته المواطنية (انتماء الفرد إلى وطن معين). ومنها فقدان
الإرادة الحرة والاستقلال والسيادة. ولذلك تظهر أهمية تحديد أبعاد هذا
المصطلح والعناية بتوصيف كل بعد من أبعاده.
ونتيجة لكفاح الشعوب من اجل نيل الاستقلال السياسي ولتبدل العلاقات
السياسية الدولية تبدلت ازياء التبعية من هذا النوع إلى ذاك حتى وصل الأمر
إلى تخلي قوى الاستقلال عن سياسة الالحاق المباشر إلى استخدام سياسة
الالحاق غير المباشر وبمساعدة الأساليب الثقافية والاقتصادية وهذه
المواضيع سأشير إليها عبر بحث الموضوعات التالية:
تبعية الفرد لوطنه
تبعية التجمعات الاجتماعية ذات الغايات الخاصة
تبعية الاحزاب
تبعية السلطة الحاكمة
مواجهة التبعية السياسية
تبعية الفرد لوطنه
لقد بحثت قوانين الجنسية والدستور الدولي الخاص قضية انتماء الفرد إلى
الوطن. وقد اوضحت هذه القوانين أن وثيقة الانتماء الرسمية المعترف بها
دولياً هي شهادة الجنسية الصادرة عن السلطة المختصة في الدولة. وهذه
الشهادة هي التي تجعل حاملها تابعاً للدولة التي منحته اياها ومواطناً من
مواطنيها له مالهم من حقوق وعليه ما عليهم من التزامات والمواطن، مهما كان
دينه أو لونه أو اصله العرقي، حسب هذا التصور القانوني وامام السلطات
المحلية والاجنبية يعتبر من تبعية الدولة التي منحته شهادة الجنسية.
ولقد تبنّت دول العالم اتجاهين رئيسيين لمنح المولود الجديد شهادة الجنسية، هما:
الأول: على أساس حق العرق أو الدم، حيث تمنح الجنسية لابناء الوطن واحفادهم اينما ولدوا - داخل الوطن وخارجه.
الثاني: على أساس حق الاقليم، حيث تمنح الحكومة جنسية بلادها لأي فرد يولد
ضمن حدود هذه الدولة سواء انحدر المولود من أبوين مواطنين أو أجنبيين.
وقد تبنت بعض الدول الاتجاه الأول فيما تبنت غيرها الاتجاه الثاني،
انطلاقاً من ايمان كل منها بفلسفة خاصة حول المواطنية إن اغلبية دول
العالم تمنح جنسيتها لمن تريد من الاجانب بناء على ما يحققه ذلك من
مصالحها أو جراء إقامة الاجنبي لفترة طويلة في البلاد التي يسعى إلى
الحصول على جنسيتها. وربما تمنح الدولة جنسيتها لابناء المواطنة المتزوجة
من اجنبي، على أساس تبعية الأولاد لأمهم - أي على أساس حق العرق.
إن حمل الفرد لجنسية دولة ما يوجب عليه العمل من اجل صالح هذه الدولة وأي
عمل مناهض لتلك المصلحة ويخدم دولاً أخرى يعتبر بمثابة خروج عن التبعية
الوطنية والدخول في تبعية الاجنبي، أي يعتبر عميلاً للقوى الخارجية
وخائناً للوطن - وهذه الجريمة قد تدفع حكومة هذا المواطن لاسقاط جنسيته
وخاصة إذا لم يكن تحت قبضتها.
ولكثرة استخدام القوى السياسية المتصارعة في العصر الحديث لمصطلح الخيانة والتبعية يبرز في ذهني التساؤل التالي:
ما هو الحكم الذي يترتب على المواطن إذا تحالف أو تعاون مع قوى خارجية من
اجل اسقاط حكومة بلاده أو تبديل نظامها السياسي؟ هل تتهمه بالتبعية
للاجنبي أم توصفه وصفاً آخر؟ إن الاجابة على هذين السؤالين تتطلب تحديد
أبعاد هذا التعاون أو التحالف. فإن كان النظام السياسي المحلي تابعاً لقوى
اجنبية معادية لمصلحة الوطن وكانت القوى المخالفة مع المواطن الثائر على
حكومته قوى تحررية معادية للاستعمار فلن يكون من السهل اتهام هذا المواطن
بالتبعية السياسية أو العمالة للاجنبي بل يمكننا اعتباره ثائراً يستهدف
تخليص بلاده من الفساد والتبعية للقوى الأجنبية المعادية لمصالح الشعب
والوطن