الثورة الجزائرية في الشعر العراقي
عمل ميداني قام به الدكتور عثمان سعدي عندما كان سفيرا بالعراق بالسبعينيات، نشر عبر وسائل الإعلام عشرات الإعلانات مدة مدة أربعين شهرا، كانت حصيلتها جمع 255 قصيدة نظمها 107 شاعر و شاعرة، كلهم من العراق، و تضمن تراجم ميدانية للشعراء استمد جلها من استبيان وزعه المؤلف عليهم.
ذيلت القصائد بأكثر من 1800 هامش، تضمنت شرح كلماتها، و التعريف بالأعلام و الأماكن الواردة فيها. ضم أشهر الشعراء العرب المعاصرين من أمثال: محمد مهدي الجواهري، و بدر شاكر السياب، و عبد الوهاب البياتي، و نازك الملائكة و غيرهم.
موضوعات شعر الثورة الجزائرية بالعراق
حظيت الثورة الجزائرية بإجماع الوجدان العربي، ووقف منها المواطن العربي موقف المؤيد المتحمس لأحداثها. و ليس من السهل حصر سائر الموضوعات التي تطرق إليها شعراء الثورة الجزائرية بالعراق. لأنها موضوعات كثيرة و متعددة و متنوعة و متشعبة. فعدد هذه القصائد يربو على 250 قصيدة، منها القصيدة الموغلة في التقليدية و العمودية، و منها القصيدة العمودية المتجددة أو الحديثة، ومنها القصيدة المتحررة من جميع قيود القافية و قوالب شطري البيت. و شعر كهذا غني بموضوعاته، لأنه تناول أحداث الثورة الجزائرية و ما أكثرها. ومن هذه الموضوعات:
قوة الثورة و صلابة عودها.
وصف بطولات الثوار.
أمجاد جيش التحرير الوطني و معاركه.
ثورة الجزائر كأمل للعروبة و مثال للكفاح الإنساني.
جميلة بوحيرد و نضال المرأة الجزائرية.
فرنسا و حلفاؤها كما صورها الشعراء العراقيون.
فرحة إعلان الاستقلال و الجمهورية
ولقد الف الدكتور عثمان سعدي كتاب يتحدث فيه عن الثورة الجزائرية في الشعر العراقي
و اسم الكتاب
" الثورة الجزائرية فى الشعر العراقي"
الدكتور عثمان سعدي
الدكتور عثمان سعدي، جزائرى أمازيغى عربى أصيل. فهو ينتمى إلى قبيلة "الشاوية" الأمازيغية "البربرية" الشهيرة.
مثلاً، قصيدة " الشمس تُشرِق على المغرب " هى أفضل ما قاله الشاعر كاظم جواد، وهو من رواد الشعر الحرّ فى العراق وكان معاصراً لفرسان الشعر الحر الثلاثة، السياب والملائكة والبياتي، فى جامعة بغداد، إلا أنهم تخرجوا فى دار المعلمين العالية وتخرج هو فى كلية الحقوق.هذه القصيدة تقع فى عشر صفحات كاملة:
ألم تسمعْ صياحى الصارخَ الصاخبَ فى الوادى يناديكَ يناديكْ؟
ألم تلمحْ شُحوبى اللافحَ، السابحَ فى الريحِ، يناغيكَ يناغيكْ؟
ألم ينشرْ شروقُ القمرِ المسحورِ أشذاءَ أمانيكْ؟
على الأشجارِ عبرَ السهلِ، يَمَسُّ أغانيكْ
إلى الزيتونِ، حيث الغابةُ الشجراءُ تستهوى لياليكْ
ـ ليالينا ـ إزاءَ الطلعِ المنثورِ تذروهُ أياديكْ
لتُثرى الأرضَ، كى يخصُبَ وادينا فيجزيكْ
سلالَ الرطبِ الحلوِ، وإذْ يستروحُ الدربُ
عبيرَ الكلأْ المبتلِّ، أما يورقُ الجدبُ
ويشدو عبرَ صدرِ الليلِ فى ألوانهِ الحبُّ...
تناول الشعراء العراقيون فى قصائدهم عن الثورة الجزائرية موضوعات متعددة مثل وصف بطولات الثوار وأمجادهم فى معاركهم، وفرنسا وحلفائها وطبيعة الاستعمار، وجميلة ونضال المرأة الجزائرية. وقد أصبحت جميلة ومدينة وهران وجبال الأوراس، فى كثير من القصائد رمزاً للجزائر الثائرة. ومعروفٌ أن هناك عدّة مناضلات جزائريات يحملن اسم جميلة ومعظمهن كنّ طالبات فى العشرين من عمرهن عندما انخرطن فى جيش التحرير ونفَّذن مهمّات قتالية، وقد اعتُقلت وعذِّبت كثيرات منهن وأشهرهن: جميلة بوحيرد، وجميلة بوباشا، وجميلة بوعزة، اللواتى أمضين سنوات فى السجن حتى إطلاق سراحهن بعد وقف القتال عام 1962
تكمن قيمة الكتاب فى أنه يضم مجموعة من قصائد كبار الشعراء العراقيين فى الثورة الجزائرية، مثل محمد مهدى الجواهري، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وكاظم جواد، وسعدى يوسف، وشفيق الكمالي، وغيرهم وغيرهم كثير. إضافة إلى أنه لم يقتصر على الشعراء الرجال وإنما شاركت الشاعرات بنصيب كبير،
و فى هذا الكتاب نجد قصائد رائعة لنازك الملائكة، ولميعة عباس عمارة، وعاتكة وهبى الخزرجي، وحياة النهر، وآمال الزهاوي، وصبرية الحسو، وأميرة نور الدين، وغيرهن.
إن فترة الثورة الجزائرية "1954ـ1962" هى فترة ثورة كذلك فى الشعر العربي. ففى أواخر الأربعينات، ظهرت حركة الشعر الحرّ فى العراق. ولهذا فإن الكتاب يشتمل على قصائد من جميع الأنواع التقليدية والتجريبية، من حيث الشكل والمضمون، فهناك القصيدة العمودية، والشعر الحر، وشعر التفعيلة، والشعر الملحمي، والمسرحية الشعرية، والموشحات، والقصيدة التى تمزج بين نوعين أو أكثر من تلك الأنواع الشعرية، وغيرها.
إن معالجة الثورة الجزائرية فى الشعر العراقى تتخذ أشكالاً متعددة أهمها: إما التأكيد على أحقية الشعب الجزائرى فى الاستقلال والحرية وتشجيع الثوار على المضى فى ثورتهم حتى النصر، وإما نقد لاذع لامباشر لمن لميفعل شيئا لنصرة الجزائر سوى الكلام. ففى قصيدة " الجزائر" لمحمد مهدى الجواهرى نجد ذلك التشجيع والتحميس،
يقول الجواهرى فى مطلعها
رِدِى علقَم الموتِ لا تجزعى
ولا ترهبى جمرةَ المصرَعِ
فما سَعُرَتْ جمراتُ الكفاحِ
لغـيرِ خلـيقٍ بـها أروعِ
دعى شفراتِ سيوفِ الطغاةِ
تُطبِّقُ منكِ على المقطـعِ
فأنشودةُ المجدِ ما وقِّعـتْ على غير أوردةٍ قُطَّــعِ
أما قصيدة نازك الملائكة "نحن وجميلة 1960"
جميلةُ تبكينَ خلف المسافات، خلفَ البلادْ
وتُرخين شَعرَك، كفَّكِ، دمعَكِ فوق الوسادْ
أتبكينَ أنتِ؟ أتبكى جميلة؟
أما منحوكِ اللحونَ السخيّاتِ، والأُغنياتْ؟
وللأمانة التاريخية، ينبغى الإشارة إلى أن البلدان العربية دعمت الثورة الجزائرية، ومنها العراق