موضوع خاص بالاخت اصال
بسم الله الرحمن الرحيم ..
بداية وبعد انقطاع طويل عن مدونتي وعن أصدقائي .. أحمد الله حمداً كثيرا على ما أنعم به علينا من قوة الصبر والصمود.. أحمد الله أن مكنا من أعداءنا برغم ضعف إمكانياتنا العسكرية التي لا توازي إمكانياته .. ولكنها كانت العقيدة التي نؤمن بها والحق الذي من أجله نحيا ومن أجله نموت ..
اعتقد البعض أننا خسرنا المعركة لارتفاع عدد الشهداء والجرحى ولشدة الدمار الذي أحدثته القوة الصهيونية الغاشمة الحاقدة ولكن فعلاً كان الانتصار لنا .. وبات العدو يبحث عن مخرج يحفظ به ماء وجهه ليخرج من حدود قطاع غزة مدحوراً يجر أذيال الخيبة والانكسار ..
لذلك وجب علينا جميعاً أن نسجل كل كلمات الشكر والتقدير والعرفان للمقاومة الفلسطينية الباسلة التي جسدت كل معاني البطولة والفداء .. هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. حملوا أرواحهم على أكفهم وصبروا وجاهدوا في الله حق جهاده .. كان طعامهم لقيمات بسيطة وكان سلاحهم ذكر الله قبل وبعد كل شيء لذلك كانت دوماً يد الله فوق أيديهم .. كانوا جميعاً صفاً واحداً .. لم يرتدوا أي زي يميزهم عن بعضهم البعض فكان اتحادهم قوة في وجه العدو الغاصب ..
بوجودهم وبصدق إيمانهم وقوة قلوبهم وثباتهم استطعنا أن نشعر بأننا بشر نستحق الحياة .. أن لنا يد قوية قادرة على تسطير الرعب في قلوب الأعداء .. ذلك الرعب يدرك معناه جيداً من يتابع المعركة ويلاحظ ردة فعل الأعداء بعد تلقي كل ضربة صائبة من ضربات المقاومة ..
لم يخطر ببالي ذات يوم أن ذلك سيحدث على أرض القطاع الحبيب .. كانت آذاننا تتابع المعركة ونحن على مقربة منها .. فما كنا نستمع إلى صوت انفجار الآليات العسكرية إلا ونعلم جيداً بأن العدو سيبدأ بقصف المنازل الآمنة من جديد ليحدث الدمار والخراب فيها وليتشفى من أبطال المقاومة الذين أحدثوا في قلوبهم الرعب الشديد وفي آلياتهم الدمار الأكيد ..
أريد أيضاً أن أسجل كل الشكر والامتنان لإذاعاتنا المحلية والتي لم تتركنا أبداً وكانت تنقل لنا كل ما يحدث على أرض المعركة أولاً بأول برغم كل الصعوبات التي واجهتها من قصف لمؤسساتها وتشويش عليها وعلى مراسليها بل واستهدافهم ما أمكن الاحتلال ذلك .. وبقيت إذاعاتنا صامدة قادرة على إيصال كل الأخبار والمناشدات والمعلومات التي تهمنا .. كانت تشد من أزرنا وتحثنا على الصلاة والصيام والقيام والدعاء من أجل نصرة الله عز وجل ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ..
في اليوم السادس للحرب بدأ العدو وحشوده البرية في الاقتراب من حدود قطاعنا الحبيب .. كثافة الطائرات عالية جداً .. منذ الصباح وصواريخ المقاومة تدك المدن الصهيونية
لتوسع دائرة النار التي وعدت بها الاحتلال .. وخسائر الاحتلال بالنسبة لنا كانت كبيرة .. فبدأت الفرحة تتمكن من قلوبنا ولكنها للأسف لم تكن من نصيبنا ..
بدأ الاحتلال في قصف المنازل بصورة جنونية .. لم نكن نعرف في ذاك الوقت كيف يستطيع العدو الاتصال على المواطنين ليبلغهم أن منزلهم سيتم قصفه وعليهم الخروج فوراً منه (حرصاً على سلامتهم) ..
كانت المفاجأة الكبرى اتصال العدو بالشيخ المجاهد الدكتور نزار ريان لينذره بقصف منزله وبضرورة إخلائه .. رفض الدكتور الشهيد الخروج من المنزل وأنذر أهل بيته فجميعهم رفضوا الخروج وآثروا أن يشاركوه لقاء الله عزوجل وحينها اتصل الدكتور نزار على الإذاعة ليخبرهم بما حدث معه .. كان صوته هادئاً وكلماته رزينة وصائبة لدرجة أن لا أحد يستطيع أن يدرك حينها ماذا سيحدث بعد دقائق معدودة .. لقد سكت صوت الشيخ وأسلم الروح لبارئها وهو يقول كلمته الأخيرة (إني أوصي المجاهدين) .. لم يكمل كلمته .. ولم نسمع نحن صوت الانفجار ..
آثر الشيخ الدكتور نزار ريان لقاء الله عزوجل هو وأسرته على الرضوخ للاحتلال ..
لم يأبه الاحتلال لستة عشر شهيداً ارتقوا للعلا في تلك الحادثة وظل يقصف ويهدد ويتوعد .. لقد سكن الحزن قلبي ونفسي في ذلك اليوم الحزين .. ولكنه قضاء الله الذي أوجبه علينا .. فلله الحمد من قبل ومن بعد ..
كانت الكهرباء مقطوعة عنا .. وكان نصيبنا منها في تلك الفترة أربع ساعات لا غير ..
بعد صلاة العشاء بدأنا الاستعداد للنوم بجانب بعضنا البعض في مكان يتوسط المنزل .. وبدأنا نتحايل على أعيننا لتغفو قليلا فكنا نستيقظ على أصوات الانفجارات الضخمة والقوية من حولنا من الطائرات والمدفعية تهز المنزل وتموج به يمنة ويساراً .. فتخفق قلوبنا وتلهج مع ألسنتنا بالدعاء إلى الله ونردد ما نحفظه من آيات كريمة وأدعية مأثورة عن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم .. لتسكن الطمأنينة قلوبنا ..
وفي تمام الساعة التاسعة مساءاً رن جرس الهاتف .. كان ذلك الوقت بالنسبة لنا كمنتصف الليل ونحن في تلك الأجواء الباردة بطبيعتها السنوية والحارة بسبب العدوان .. رفع ولدي السماعة وبدأت أنظر إليه لأعرف من المتصل .. فرأيت سمات وجهه قد تغيرت وبدأ الوجوم بادياً على وجهه وهو يتساءل عن حقيقة قصف المنزل .. ومن ثم أغلق الهاتف ليخبرني بأن الاحتلال سيقصف منزلنا الآن وعلينا مغادرة المنزل حالاً ..