الدكتور حلمي ساري
مقدمة
تستحوذ وسائل الإعلام في وقتنا الحاضر على اهتمامنا وانتباهنا ، وتكاد تحاصرنا في كل مكان نذهب إليه، وفي جميع الأوقات، إذ أصبحنا عرضة لمضامين ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه يوميا في هذه الوسائل.
ومن هنا فإنه يتحتم على الباحثين دراسة هذه المضامين لمعرفة آثارها ونتائجها علينا. ولا توجد قضية تستوجب اهتمام الباحثين وعنايتهم كقضية العنف الأسري الذي نشاهده يوميا في هذه الوسائل.
فإلى أي مدى نتأثر بالعنف الذي نشاهده في وسائل الإعلام؟ وهل لهذه الوسائل دور في التصدي أو الحد من هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة التي باتت تقلقنا وتؤرق نومنا، وتنغص علينا حياتنا، وتهدد كياناتنا الأسرية؟
هذا ما ستحاول هذه الورقة الإجابة عليه باختصار واقتضاب.
ولكن قبل الإجابة على هذه التساؤلات، يجدر بنا أن نحدد معنى العنف الأسري ونبين مظاهره وأشكاله التي يتبدى فيها.
تعريف العنف
يكاد يكون من الصعب تقديم تعريف موحد للعنف وذلك لإختلاف اهتمامات وتخصصات الباحثين في هذا الصدد. فعلماء السياسة يعرفونه بطريقة مختلفة من علماء الاجتماع، وهؤلاء بدورهم يختلفون في تعريفهم له عن علماء النفس ، أو علماء الجريمة والقانون. كما أنه يعرف أحيانا بطرق تختلف باختلاف الأغراض التي يكون مرغوبا الوصول إليها، وباختلاف الظروف المحيطة أيضا .. مع ذلك سنقدم التعريف التالي للعنف ثم العنف الأسري لأنه يحتوي على العناصر الاساسية للعنف من جهة، ولكونه يهتم أيضا بالعنف الاسري الذي هو موضوع هذه الورقة من جهة أخرى.
يعرف العنف بأنه: (سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال واخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى).
وإذا ما أردنا تطبيق هذا المفهوم على الأسرة فإن العنف الأسري سيكون: ( أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج من وجود علاقات غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانه كل فرد من أفراد الأسرة، وفقا لما يمليه النظام الاقتصادي، الاجتماعي السائد في المجتمع).
وإذا ما أردنا الدقة والتخصص بتعريف العنف ضد المرأة لقلنا بأنه: -
(السلوك أو الفعل الموجه إلى المرأة على وجه الخصوص سواء أكانت زوجة أو أماً أو أختا أو ابنة ، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية الناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، نتيجة لسيطرة النظام الأبوي بآلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
وإذا ما دققنا في التعريف السابق لوجدنا أن العنف يأخذ عدة أشكال تتدرج من الشكل البسيط إلى المعقد، وعليه فقط يكون العنف نفسيا أو جسديا أو تربويا أو اجتماعيا أو جنسيا. وهذه الأشكال من العنف تمارس بنسب متفاوتة في المجتمع العربي.
فإلى أي حد تؤثر علينا وسائل الإعلام بعرضها لمضامين عنيفة؟ وإلى أي حد أيضا يمكن استثمار وسائل الإعلام للتقليل من هذه المشكلة الاجتماعية أو محاربتها؟
وسائل الإعلام والعنف
بدأ الاهتمام بدراسة العنف وآثاره على الفرد والمجتمع بعد الحرب العالمية الأولى حيث زادت نسبة الجرائم والعنف والمشكلات الاجتماعية بشكل ملحوظ بعد هذه الفترة مما دفع بالباحثين التي تقصي الأسباب ودوافع ذلك حيث حاولوا معرفة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التسبب بهذه المشكلات الاجتماعية من جهة، وتحديد الدور الذي تلعبه في التصدي لهذه المشكلات من جهة أخرى. وقد تمخضت دراساتهم عن نتائج كثيرة لخصت مسألة طبيعة الذي تحدثه وسائل الإعلام. ويمكن تلخيص هذه النتائج حسب تسلسلها كما يلي :
نظرية التأثير القوي أو المطلق (نظرية الرصاصة الإعلامية):
يرى أصحاب هذه النظرية أو وسائل الإعلام لها تأثير قوي ومباشر على الفرد والمجتمع يكاد يبلغ حد السطوة والهيمنة وهذا التأثير قوي وفاعل مثل الرصاصة، ولايفلت منه أحد.
نظرية التأثير المحدود لوسائل الإعلام:
اهتزت نظرية الرصاصة الاعلامية أمام نتائج الدراسات الميدانية التي قام بها باحثون في ميدان علم النفس الاجتماعي حيث تبين لهم تأثير وسائل الاعلام محدود جدا اذا ما قورن بالتأثير الذي تحدثه عوامل أخرى أطلقوا عليها العوامل الوسيطة كالأسرة، واتجاهات الفرد، وقادة الرأي، والاحزاب، وعوامل أخرى كثيرة، تحول هذه العوامل دون التأثير المطلق أو القوي لوسائل الاعلام على الفرد.
نظرية التأثير المعتدل لوسائل الاعلام:
برز هذا الاتجاه في أواخر الستينات والسبعينات، ويعتقد أصحابه أن تأثير الوسائل الاعلامية على الفرد يتأثر بعوامل نفسية كثيرة ومتغيرات نفسية كثيرة، وكان التركيز القوي لهم على البعد النفسي. أي اسلوب الافراد أمام وسائل الاعلام أكثر قوة من عوامل ومتغيرات مما يجعل التأثير معتدلا نوعا ما.