شريط عابد / استاذ محاضر ، جامعة ابن خلدون (تيارت) الجزائر
مما
لاشك فيه ان الاستثمار الاجنبي المباشر هو والدافع الاساس لعملية عولمة
الاقتصاد التي تحتاج الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن . فالنمو الكبير
والزيادة المذهلة في تدفقات حقيية اسهم الاستثمارات الاجنبية ، ومانجم
عنها في ارتفاع مبالغ . الاستثمار الاجنبي المباشر يؤكد الدور المهم الذي
تؤديه الشركات متعددة الجنسية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ،
لقد ارتفع رصيد الاستثمار الاجنبي المباشر خمس مرات خلال الفترة 1994-2000
وهو ما يعادل نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي ،
بحصيلة قدرت بما يقارب 3.4 تريليون دولار .
ان
ما يميز العلاقات الدولية بصفة عامة والاقتصادية منها بصفة خاصة في الاونة
الاخيرة هو تنامي تطورات عدة ومتلاحقة ، وظواهر كثيرة مست كل المجالات
الاقتصادية بطرق مختلفة ، ولعل من ابرز هذه المعالم والتي تعتبر بحق ظاهرة
من ظواهر التحولات الاقتصادية المعاصرة هي تلك المتعلقة بالتكتلات
الاقتصادية الاقليمية ، فعلى الرغم من انها عرفت منذ امد بعيد ، الا انها
تميز على وجه الخصوص العصر الحديث لما عرفته من تطور ونمو في هيكلها
وطبيعتها واهدافها ، ومدى قدرة تاثيرها في سيرورة النظام الاقتصادي
العالمي الجديد
لقد اصبحت هذه التكتلات تشكل اهم فعاليات العلاقات
الدولية واكثرها تاثيراً وتتجلى هذه الاهمية بالنظر الى كل من الدول
المشكلة لهذه التجمعات وحجم مبادلاتها التجارية ومغزى تاسيسها احدى صيغ
التكامل الاقليمي ، وما يترتب عنه في العلاقات الدولية ومجمل التجارة
العالمية.
عندما نتكلم عن التكتلات الاقتصادية الاقليمية ، لاينحصر
تفكيرنا في الاشكال المختلفة التي يمكن ان تتخذها المعاملة التفضيلية
بالنسبة الى الرسوم الجمركية ، وانما نقصد بذلك الغاء مختلف القيود
الجمركية على التبادل التجاري ، وانتقال عناصر الانتاج بين الدول الاعضاء
في التكتل ، وكذلك تطبيق تعريفه جمركية موحدة على السلع التي تستورد من
العالم الخارجي للمنطقة ، وكذا محاولة التوصل التي تنسيق السياسات
الاقتصادية وعندها نجد انفسنا امام ظاهرة التكامل الاقتصادي التي تساهم في
تكوين علاقات بين الدول المتكاملة اوثق مما هي عليه مع باقي دول العالم
ان
التكامل الاقتصادي لايمكن ان يحقق الهدف العام من تكوينه الا اذا توافرت
لدى الدول المتكاملة كل المقومات المختلفة التي تكونه وتنطلق في تطبيق خطط
عمله ، ولا يمكن كذلك ان يقوم هذا التكامل الا اذا كانت للدول المتكاملة
دوافع راسخة تدفعها الى تبني هذا السلوك في اطار العمل الجماعي فبالنسبة
للمسألة الاولى المتعلقة بالمقومات فهي كثيرة منها الاقتصادية والسياسية
والثقافية والجيوسياسية ، واذا اقتصرنا على ذكر الاقتصادية فقط فالامر
يتعلق بالتخصيص وتقسيم العمل ، وتوافر عناصر الانتاج ، وتوافر الموارد
الطبيعية وتوافر وسائل النقل والاتصال .. الخ وهذا لايعني البتة تجاهل
المقومات الاخرى لما لها من دور فاعل في احداث التكامل الاقتصادي .
اما
المسألة الثانية المتعلقة بالدوافع ،فهي ترتكز اساسا على اقتناع الدول
المتكاملة بالمزايا والمنافع التي يمكن ان تعود عليها مقارنة بما كانت
تحصل عليه قبل تحقق التكامل .وكلما زاد الاقتناع بهذه المنافع كلما كان
الدافع الى التكامل اقوى ، وهي كذلك منافع على مستويات عدة نقتصر على ذكر
الاقتصادية منها والمتمثلة في اتساع حجم السوق وزيادة معدلات التشغيل ،
وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي ، وتطوير القاعدة التكنولوجية ، وزيادة
قدرة حماية الاقتصاد الوطني .. الخ
لقد شهد العقد الماضي عودة انتشار التكتلات الاقليمية ، واصبحت غالبية الدول تنتمي
الى
تكتل او الى عدة تكتلات في ان واحد ، كما ان اكثر من ثلث التجارة العالمية
يتم الان من خلال هذه التكتلات التي انتشرت في كامل ارجاء العالم ،بحيث
تم تكوين 84 تكتلا اقليمياً جديداً خلال عقد التسعينات ، في حين لم يتجاوز
متوسط عدد التكتلات الجديدة المقامة كل عشر سنوات خلال الفترة 1949-1989
السبعة تكتلات . وعلى الرغم من هذا الانتشار الواسع ، والعدد المهم ، الا
انه يبقى اهمها حاليا ، الاتحاد الاوروبي ، واتفاقية التجارة الحرة لدول
امريكا الشمالية (النافتا) ، واتفاقية التجارة الحرة لدول جنوب وشرق اسيا
(اسيان) اضافة الى مجلس التعاون الخليجي بوصفه تجمعاً عربياً قطع شوطاً
كبيراً في مجال التكامل.
ان التوجه العام الغالب في الوقت الحالي في
خلال التكامل الاقليمي هو تقليص معدلات الحماية من جهة ، والسعي الى رفع
معدلات التصدير الى الاسواق العالمية من دون تمييز من جهة اخرى وبالتالي
فان تقبل الدول النامية مشاركة دول متقدمة في تجمعاتها مرجعه في المقام
الاول قيام الدول النامية بتعزيز قدراتها التصديرية ، وبالمقابل رغبة
الدول المتقدمة ضمان استيعاب اسواق الدول النامية للمزيد من صادراتها
الصناعية والخدمية وهو الامر الذي لم تعرفه التكتلات الاقليمية
القديمةالتي قامت اساسا على تكتلات بين دول متقدمة (شمال - شمال) وبين
دول نامية معاً (جنوب-جنوب) اضافة الى اختلافات جوهرية اخرى ميزت التكتلات
الاقليمية الجديدة عن تلك القديمة التي سادت مرحلة الستينات .
والواقع ان عودة انتشار ظاهرة التكتلات الاقليمية في الفترة الاخيرة يرجع الى عدة عوامل نذكر اهمها :
تخوف
العديد من دول العالم من ان تتحول اوروبا الى قلعة حصينة اقل انفتاحاً على
العالم الخارجي في اطار السوق الاوروبية الموحدة ما يقلل من جهودها
وحماسها لتفعيل تحرير التجارة متعددة الاطراف لذلك سارعت العديد من الدول
الاوروبية ، وبخاصة ذات الاقتصاد المحول بتقديم طلبات الانضمام ، كما سعت
دول اخرى الى تكوين تكتلات خاصة بها .